ثم استمر الأمر على عهد موسى كليم الرحمن على التوحيد، إلى أن توفي موسى - صلى الله عليه وسلم -، ودخل الداخل على بني إسرائيل، وأقبلوا على علوم الكفار، وقدموها على نصوص التوراة.
فسلط الله عليهم من أزال ملكهم، وشردهم من أوطانهم، ومزقهم كل ممزق، وتلك سنة الله في عباده إذا أعرضوا عن الوحي، وتعوضوا عنه بكلام الكفار والملاحدة: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤)} [الأنعام: ٤٤].
وكذلك النصارى لما أعرضوا عن دين الله سلط الله بعضهم على بعض، كما قال سبحانه: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)} [المائدة: ١٤].
وكما سلط الله النصارى على بلاد العرب لما ظهرت فيها الفلسفة والمنطق، واشتغل المسلمون بذلك، وهجروا كتاب ربهم، فاستولت النصارى على بلادهم، وأصاروهم رعية لهم.
وكذلك لما ظهر هذا الأمر ببلاد المشرق سلط الله عليهم عساكر التتار فأبادوا أكثر أهلها، واستولوا عليها، وأهانوا أهلها.
وكذلك في المائة الرابعة لما اشتغل أهل العراق بالفلسفة وعلوم أهل الباطل والإلحاد سلط الله عليهم القرامطة الباطنية، فكسروا عسكر الخليفة عدة مرات، واستولوا على حجاج بيت الله، واستعرضوهم قتلاً وأسراً، واشتدت شوكتهم، واستقر ملكهم في مصر والشام والحجاز واليمن وغيرها.
فهذا الداء لما دخل في بني إسرائيل كان سبباً في دمارهم، وزوال ملكهم.
فلنحذر من هذا الشر لئلا يصيبنا ما أصابهم، ويحل بنا ما حل بهم.
ثم بعث الله سبحانه بعد موسى (عبده ورسوله وكلمته المسيح عيسى بن مريم (فجدد لهم الدين، وبين لهم معالمه، ودعاهم إلى عبادة الله وحده لا