وحيث ما حل الحق، وقضاء الشرع، كان هناك الأمن والطمأنينة في الدنيا والآخرة.
فالشريعة ليس فيها خلط ولا شبه، ولا أهواء، ولا ظلم، كما قال سبحانه: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٥٧)} ... [الأنعام: ٥٧].
فالحق والعدل في أبهى صوره، وأجمل حلله، في الإسلام لا في غيره، كما قال سبحانه: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥)} ... [الإسراء: ١٠٥].
وكلما جاءت شبهة زادت ولي الله تمسكاً بالحق، وزهداً بالباطل: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣)} [الزخرف: ٤٣].
وأما النوع الثاني من الفتنة: ففتنة الشهوات.
وقد جمع الله بين الفتنتين في قوله سبحانه: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٦٩)} [التوبة: ٦٩].
وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهات، والثاني: أصل فتنة الشهوات.
وفتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر.
قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} [السجدة: ٢٤].
وجمع الله بينهما في قوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)} [العصر: ١ - ٣].
أي تواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات.
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوات، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهات.