وإذا سلم العبد من فتنة الشبهات والشهوات حصلت له الإمامة في الدين، وحصلت له أعظم غايتين مطلوبتين بهما سعادته وفلاحه وكماله، وهما: الهدى .. والرحمة، كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧)} [يونس: ٥٧].
والشيطان في كل يوم، بل في كل لحظة، يبعث ويوجه ويحرك آلاف الأفراد والجماعات لعمارة الدنيا، والإفساد في الأرض، والاستمتاع بالشهوات والمحرمات، وغشيان الفواحش والآثام، ومزاولة السرقات والزنا وشرب الخمور، وأكل أموال الناس بالباطل، وظلم الناس، وإيذاء المسلمين، ولا يفتر عن ذلك ليلاً ونهاراً، ووقع في فتنة الشهوات ما لا يحصى من البشر من مسلم وكافر، فأعرضوا عن أوامر الله، واشتغلوا بتكميل شهواتهم من المطاعم والمشارب، والملابس والمساكن، والمراكب والمناكح: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)} [مريم: ٥٩].
وكذلك الشيطان يوجه ويحرك آلافاً من العلماء والدعاة، وطلبة العلم ويزين لهم الانتصار للنفس لا للدين، ويستعملهم في الجدل والمراء، ويغمسهم في السمعة والرياء، ويزين لهم الفتاوى الشاذة، ويحسِّن لهم أكل الدنيا بالدين، والازدحام على أبواب المناصب، وبذل الجهود من أجلها لنفع الدين من خلالها، وهيهات أن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، بالهدى والرحمة، والشفقة والتواضع، والعدل والإحسان، والبر والتقوى وغير ذلك من شعب الإيمان ومحاسن الأخلاق.
وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين، سواء كان قولاً أو فعلاً.
ولا تقع الفتنة إلا من ترك ما أمر الله به، فالله سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر.
فالفتنة إما من ترك الحق .. وإما من ترك الصبر.
فالمظلوم إذا صبر واتقى كانت العاقبة له كما قال سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)} [آل عمران: ١٢٠].