وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بالصبر على البلاء، والصبر على أذى أهل الكتاب والمشركين، تنبيهاً على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض كما قال سبحانه: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦)} [آل عمران: ١٨٦].
وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بالعدل مع الكفار مع بغضهم، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان، فاتقوا الله أيها المؤمنون: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨)} [المائدة: ٨].
والكفر والفسوق والعصيان سبب لكل شر وعدوان.
فقد يذنب الرجل أو الطائفة، ويسكت آخرون عن الأمر والنهي فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكاراً منهياً عنه، فيكون ذلك من ذنوبهم.
فيحصل بسبب ذلك التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن قديماً وحديثاً، إذ الإنسان ظلوم جهول كفار، ومن تدبر الفتن الواقعة رأى أسبابها ذلك.
ورأى أن ما وقع بين علماء الأمة وأمرائها، ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشائخها، ومن تبعهم من العامة هذا أصلها، ومنه تفجر براكينها.
والفتن أقسام:
الأولى: فتنة الرجل في نفسه بأن يقسو قلبه، فلا يجد حلاوة الطاعة، ولا لذة المناجاة.
الثانية: فتنة الرجل في أهله، وهي فساد تدبير المنزل، وقد تولى ذلك الشيطان وذريته كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ