ولا يسلم الله الرسل وأتباعهم إلى الجاهلية، فالتجمع الجاهلي لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله، إلا أن يكون عمل المسلم وجهده لحساب التجمع الجاهلي، ولتوطيد جاهليته.
والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي، والتميع في تشكيلاته وأجهزته، هم ناس يجهلون أن كل فرد في المجتمع يعمل لحساب هذا المجتمع الشاذ.
لذلك لا يرتضي الرسل الكرام العودة في ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها كما قال سبحانه: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩)} [الأعراف: ٨٩].
وهنا وبعد هذا التهديد من الكفار .. وبعد الثبات على الدين من المؤمنين .. ينزل عذاب الله .. ويحيط بالكافرين .. بضربة مدمرة قاضية لا تقف لها قوة البشر المهازل وإن كانوا طغاة متجبرين: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤)} [إبراهيم: ١٣ - ١٤].
ولا يفصل الله بين المؤمنين والكفار إلا بعد مفاصلة المؤمنين للكفار، ورفضهم أن يعودوا لملة قومهم، وبعد أن يصروا على تميزهم بدينهم .. وبعد أن يفاصلوا قومهم على أساس العقيدة .. ويتمايز الفريقان عقيدة ومنهجاً .. وبعد أن تبذل القوة المؤمنة كل طاقة تمكنها.
عندئذ يأتي وعد الله بالنصر على الأعداء .. ويدمر الطواغيت الذين كانوا يتهددون المؤمنين .. ويمكَّن للمؤمنين في الأرض .. فتقف القوة الصغيرة الهزيلة .. قوة الطغاة الظالمين في صف .. ويقف المؤمنون المتواضعون ومعهم قوة الله في صف.
فإذا دعا كلاهما بالنصر والفتح كانت العاقبة كما يجب أن تكون: {وَاسْتَفْتَحُوا