ولما كان التجمع الإسلامي إنما يأكل كل يوم من جسم التجمع الجاهلي في أول الأمر، وهو في دور التكوين، ثم بعد ذلك لا بدّ له من مواجهة التجمع الجاهلي ليتسلم القيادة منه، وإخراج الناس كافة من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده.
ومن أجل هذا كانت مواجهة الجاهلية واحدة لدعوة الرسل الكرام، إنها مواجهة الدفاع عن النفس في وجه الاجتياح، ومواجهة الدفاع عن الربوبية التي اغتصبها العباد، وهي من حق الله وحده.
لذلك واجهت الجاهلية الإسلام في معركة حياة أو موت، ومعركة بقاء أو زوال لا هوادة فيها، وأعداء هذا الدين من الكفار والمشركين يصفون القرآن الذي يعالج النفوس والعقول والقلوب، ويعالج أوضاع الحياة وسلوك الناس، وعلاقات المجتمع، وأحوال البشر في الماضي والحاضر والمستقبل، ويبين قصص الأولين، وعاقبة المؤمنين والكافرين، يصفونه بأنه أساطير الأولين.
إن استكبارهم يمنعهم من الخضوع للحق والبرهان، وهذا سيؤدي بهم إلى حمل ذنوبهم، وشطر من ذنوب الذين يضلونهم بهذا القول، ويصدونهم عن الإيمان والقرآن، ويضاعف العذاب للكفار بما كفروا، وحملوا غيرهم على الكفر، وصدوهم عن سبيل الله كما قال سبحانه: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)} [النحل: ٨٨].
فالكفر فساد، والحمل عليه إفساد، وهؤلاء قد ارتكبوا جريمة كفرهم، وجريمة