عليها، فإن الأرض مسكن الآدمي، وما عليها مطعم ومشرب وملبس ومنكح ومركب، وكل ذلك علف لراحلة بدنه السائر إلى الله تبارك وتعالى، فإنه لا يبقى إلا بهذه المصالح.
وقد وضع الله في الطباع تَوَقان النفس إلى ما يُصلحها.
فمن تناول منهما ما يصلحه على الوجه المأمور شرعاً يمدح، ومن أخذ منها فوق الحاجة يكتنفه الشره وقع في الذم.
فليس للشره في تناول الدنيا وجه؛ لأنه يخرج عن النفع إلى الأذى، ويشغل العبد عن طلب الأخرى، فيفوت المقصود.
ولا وجه كذلك للتقصير في تناول الحاجة؛ لأن الناقة لا تقوى على السير إلا بتناول ما يصلحها.
فالطريق السليم هي الوسطى، وهي أن يؤخذ من الدنيا ما يحتاج إليه من الزاد للسلوك وإن كان مشتهى، فإن إعطاء النفس ما تشتهي عون لها، وقضاء لحقها، فهذا مما ينشطها للخير فلا يمنعها منه.
وإن كان حظها مجرد شهوة ليست متعلقة بمصالحها المذكورة فذلك حظ مذموم، والزهد فيه يكون، ومن ركن إلى الدنيا وأحرقته بنارها، فصار رماداً تذروه الرياح، والعاقل يرى أن نقصان بدنه ودنياه، ولذته وجاهه ورئاسته، إن زاد في حصول ذلك، وتوفيره عليه في معاده، كان رحمة به وخيراً له، وإلا كان حرماناً وعقوبة على ذنوب ظاهرة أو باطنة، أو ترك واجب ظاهر أو باطن.
فحرمان خير الدنيا والآخرة مرتب على هذه الأربعة.
وإذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله سبحانه حوائجه كلها .. وحمل عنه كل ما أهمه .. وفرّغ قلبه لمحبته .. واستعمل لسانه لذكره .. واستخدم جوارحه لطاعته .. وعمر أوقاته بامتثال أوامره.
وإن أصبح وأمسى والدنيا همه .. حمّله الله همومها وغمومها .. ووكله إلى نفسه .. فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق .. ولسانه عن ذكره بذكرهم ..