وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وقضاء أشغالهم .. فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره.
والحياة الدنيا لعب ولهو حين تعاش لذاتها مقطوعة عن منهج الله فيها، والذي يجعلها مزرعة للآخرة، فالإيمان والتقوى في الحياة الدنيا هو الذي يخرجها عن أن تكون لعباً ولهواً، ويطبعها بطابع الجد، ويرفعها عن مستوى المتاع الحيواني إلى مستوى الخلافة الراشدة المتصلة بالملأ الأعلى كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (٣٦)} [محمد: ٣٦].
والذم الوارد في الكتاب والسنة للدنيا ليس راجعاً إلى زمانها الذي هو الليل والنهار، المتعاقبان إلى يوم القيامة، فإن الله جعلهما خِلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٦٢)} [الفرقان: ٦٢].
وليس الذم راجعاً إلى مكان الدنيا، الذي هو الأرض التي جعلها الله لبني آدم مهاداً وسكناً ومعاشاً وفراشاً.
وليس الذم راجعاً إلى ما أودع الله فيها من الجبال والبحار، والزروع والأشجار، والمعادن والبهائم، فهذه كلها خلقها الله لمنافع العباد.
وليس الذم راجعاً إلى ما في الدنيا من تغير الأحوال من حر وبرد، وصيف وشتاء، وليل ونهار، ونور وظلام.
فذلك كله نعمة من نعم الله على عباده، ينتفعون به، ويعتبرون به، ويستدلون به على وحدانية الله وقدرته.
وإنما الذم راجع إلى أفعال بني آدم الواقعة على غير منهج الله ورسوله من كفر وشرك، وبدع وضلال، وسرقة وظلم، وقتل وفساد ونحو ذلك مما لا يحبه الله ولا رسوله.