للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمخلوقات بيده سبحانه، فإن استمر على حاله واقفاً بباب مولاه، لا يلتفت عنه إلى غيره، وأنه لم يصل بعد، رُجي أن يفتح له فتح آخر هو فوق ما كان فيه.

ثم يبقى له وجود قلبي روحاني ملكي، فيبقى قلبه سابحاً في بحر من أنوار آثار الجلال، فتنبع الأنوار من باطنه كما ينبع الماء من العين، ويجد قلبه عالياً صاعداً إلى من ليس فوقه شيء، الذي هو مراد المؤمن وغاية مطلبه كما قال سبحانه: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)} ... [النجم: ٤٢].

فهذا لُباب التعبد، وهو سفر الآخرة الذي يقطع بالقلوب كما أن سفر الدنيا يُقطع بالأقدام.

ثم يرقيه الله سبحانه فيشهده أنوار الإكرام بعد ما شهد أنوار الجلال، فيستغرق في نور من أنوار أشعة الجمال، وفي هذا المشهد يذوق المحبة الخاصة الملهبة للقلوب والأرواح، فيبقى القلب مأسوراً في يد حبيبه ووليه المحسن إليه.

فهذا المحب قد ترقى في درجات المحبة على أهل المقامات، ينظرون إليه في الجنة كما ينظرون إلى الكوكب الدري الغابر في الأفق، لعلو درجته، وقرب منزلته من ربه، فالمرء مع من أحب، ولكل عمل جزاء، وجزاء المحبة المحبة والقرب، فيا سعادة صاحب هذا القلب، ويا له من قلب مستغرق بما ظهر له من أشعة أنوار الجمال، وعظمة الجلال والكبرياء للواحد الأحد، والناس مفتونون ممتحنون بما يزول ويفني من الأموال والصور والرياسة، معذبون بذلك قبل حصوله، وحال حصوله، وبعد حصوله.

وأعلاهم مرتبة من يكون مفتوناً بالحور العين، أو عاملاً على تمتعه في الجنة بالأكل والشرب، والنكاح واللباس.

ومتى نصل نحن إلى هذه المرتبة العالية؟

إن التعلق بالحور العين وما في الجنة من نعيم بالنسبة للموثق بالسفليات درجة رفيعة، وإذا كانت الفتنة بالحور العين قاطعة عن المراد المحبوب لذاته وهو الله، فكيف تكون حالنا وقد قَدَّمنا محبوبات الدنيا على أوامر الله عزَّ وجلَّ؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>