فكيف بك لو زلت قدمك .. ووقَعْتَ في قعر جهنم .. ووقع بك ما كنت تخافه .. وأنت تنادي يا ليتني قدمت لحياتي .. يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ... يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً .. يا ليتني كنت تراباً .. يا ليتني كنت نسياً منسياً.
فكيف ترى أيها العبد عقلك الآن .. وهذه الأخطار بين يديك .. فإن كنت غير مؤمن بذلك فما أطول مقامك مع الكفار في دركات جهنم؟.
وإن كنت مؤمناً وعنه غافلاً فما أعظم خسرانك وطغيانك؟.
وتأمل في أحوال الخلائق وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا، فبينما هم في كربها وأهوالها ينتظرون حقيقة أنبائها، وشفاعة شفعائها، إذا أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات لهب، وأظلت عليهم نار ذات لهب، وسمعوا لها زفيراً وشهيقاً.
فعند ذلك أيقن المجرمون بالعطب، وجثت الأمم على الركب، وجاءت الزبانية بمقامع من حديد، لتأخذ كل مجرم إلى العذاب الشديد، فينكسونه في قعر جهنم ويقولون له: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)} [الدخان: ٤٩].
وأسكن أهل النار داراً ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك، يوقد فيها السعير، ويسقى فيها الحميم، يحشرون إليها عمياً وبكماً وصماً.
ويكبون فيها على وجوههم، مغلولين مقرنين في الأصفاد.
النار من فوقهم ومن تحتهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم .. تغلي بهم النار كغلي القدور، ولهم مقامع من حديد تهشم بها جباههم .. فيتفجر الصديد من أفواههم .. وتتقطع من العطش أكبادهم .. وتسقط من الإحراق لحومهم وشعورهم.