وسبحان من جعل الأرض بالنسبة للإنسان كالأم، بل أشفق من الأم، فقد أمر الله الأم أن تسقيك لوناً واحداً من اللبن، وأمر الأرض أن تطعمك وتسقيك ألواناً من المأكولات والمشروبات.
وكنت في بطن الأم الصغرى تسعة أشهر فما مسك جوع ولا عطش، كنت مطيعاً لله، دعاك إلى الخروج إلى الدنيا فخرجت إليها مطيعاً.
وأنت الآن في بطن الأم الكبرى، وقد سخر الله لك كل شيء، وهو اليوم يدعوك إلى الخروج إلى الآخرة بالإيمان والأعمال الصالحة مراراً فلا تجيبه؟.
فما أجهل الإنسان بربه، وما أجهله بما ينفعه وما يضره، وما أظلمه لنفسه ولغيره: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب: ٧٢].
وفي خلق الأرض آيات وعجائب وعبر، لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله كما قال سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)} ... [الذاريات: ٢٠].
ومن آياتها خلقها بهذا الحجم الهائل العظيم، وسعتها وكبر خلقها، وتسطيحها ليستقر عليها الحيوان، فهي كروية لها سطح.
ومن آياتها أن جعلها سبحانه قراراً وفراشاً، لتكون مقر الحيوان ومساكنه.
وجعلها الله عزَّ وجلَّ مهاداً ذلولاً، تُوطأ بالأقدام، وتضرب بالمعاول والفئوس، وتُحمل على ظهرها الأبنية الثقال، فهي ذلول مسخرة لما يريد العبد منها في تحقيق مصالحه، من بناء وزراعة وصناعة.
ومن رحمته سبحانه أن جعل الأرض ذلولاً، لم يجعلها في غاية الصلابة والشدة كالحديد فيمتنع حفرها وشقها، والغرس والزرع فيها، ولم يجعلها سائلة لا يمكن الزرع والغرس فيها، ولا رخوة لا يمكن السير عليها، والبناء فوقها.
بل جعلها سبحانه قراراً بين الصلابة والدماثة، بحيث تصلح للسير والمشي،