الْكَافِرِينَ (٣٤)} [البقرة: ٣٤].
فالقدر نؤمن به ولا نحتج به .. ومن احتج بالقدر فحجته داحضة .. ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول.
ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولاً، لقبل من إبليس وغيره من العصاة.
ولو كان القدر حجة للعباد على أفعالهم، لم يعذب أحد من الخلق لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ولو كان القدر حجة لم تقطع يد سارق، ولا قتل قاتل، ولا حد شارب، ولا أقيم حد، ولا جاهد أحد في سبيل الله، ولا أمر بالمعروف أحد، ولا نهى عن المنكر أحد.
والله سبحانه علم الأمور وكتبها على ما هي عليه.
فهو جلَّ وعلا قد كتب أن فلاناً يؤمن ويعمل صالحاً فيدخل الجنة.
وفلاناً يكفر ويعصي ويفسق فيدخل النار.
كما علم سبحانه أن فلاناً يتزوج فيأتيه ولد، ويأكل فيشبع، ويشرب فيروى.
فمن ظن أنه يدخل الجنة بلا إيمان وعمل صالح كان ظنه باطلاً، كمن اعتقد أنه يأتيه ولد بلا وطء، فالله قدر الأسباب والمسببات، وقد جعل الله لكل شيء سبباً.
فللدنيا أسباب .. وللجنة أسباب .. وللنار أسباب.
والله سبحانه كتب أفعال العباد خيرها وشرها، وكتب ما يصيرون إليه من الشقاوة والسعادة، لكمال علمه بالشيء قبل وقوعه.
لكنه جعل الأعمال سبباً للثواب والعقاب وكتب ذلك وعلمه، كما كتب الأمراض وجعلها سبباً للآلام، وكما كتب أكل السم وجعله سبباً للموت.
فالله قدر وكتب هذا .. وهذا، لأنه الذي أحاط وحده بكل شيء علماً.
وكذلك بأن من فعل ما نهى الله عنه من الكفر والمعاصي فإنه يعمل ما كتب عليه وهو مستحق لما كتبه الله من الجزاء لمن عمل ذلك.