وفي كل الأحوال تتحقق مشيئة الله وحده، ولا يتحقق سواها، ويقع ما يقع بقدر الله لا بقوة سواه، وما كان شيء ليقع إلا أن يوقعه قدر الله.
وفي حدود هذا التقدير يتحرك الإنسان بنفسه، ويقع له ما يقع من الهدى والضلال: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٧٨)} [الأعراف: ١٧٨].
وكثير من الجن والإنس مخلوقون لجهنم، وهم مهيؤون لها، فما بالهم كذلك؟.
هنالك اعتباران:
الأول: أن الله بعلمه الأزلي يعلم أن هؤلاء الخلق صائرون إلى جهنم.
الثاني: أن هذا العلم الأزلي بأحوال العباد ومصائرهم، ليس هو الذي يدفع هذه الخلائق إلى الضلال الذي تستحق به جهنم، إنما هم: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)} [الأعراف: ١٧٩].
فهم لم يفتحوا القلوب التي أعطوها ليفقهوا، وهم لم يفتحوا أعينهم ليبصروا آيات الله الكونية، ولم يفتحوا آذانهم ليسمعوا آيات الله المتلوة.
لقد عطلوا هذه الأجهزة وعاشوا غافلين، فهم أضل من الأنعام، لأن الأنعام لها استعدادات فطرية تهديها، تقبل إذا دعيت، وتنزجر إذا زجرت.
أما الجن والإنس، فقد زودوا بالقلب الواعي، والعين المبصرة، والأذن السامعة، فإذا لم يفتحوا قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم ليدركوا، فإنهم يكونون أضل من الأنعام الموكلة إلى استعداداتها الفطرية الهادية.
فكفار الجن والإنس، كل حيوان بهيم أهدى منهم، وهم أضل منه سبيلاً. فما أضل هؤلاء في الدنيا، وما أخسرهم في الآخرة: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)} [الفرقان: ٤٤].
إن كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون مخلوقة بقدر، مدبرة بحكمه، فلا شيء