فالله علم أن هذا يدخل الجنة بالإيمان والأعمال الصالحة، فإن لم يكن معه إيمان دخل النار.
وهذا يعمل بعمل السعداء .. وذاك يعمل بعمل الأشقياء.
والجنة خلقها الله لأهل الإيمان به وطاعته، فمن قدر أن يكون منهم، يسره الله للإيمان والطاعة.
ولا يعاقب الله عزَّ وجلَّ العبد على ما علم أنه يعمله حتى يعمله، ولهذا أمر الناس بالدعاء، ومن قال أنا لا أدعو ولا أسأل اتكالاً على القدر كان مخطئاً.
لأن الله جعل الدعاء والسؤال، من الأسباب التي تنال بها مغفرته ورحمته، وهداه وتوفيقه، ونصره ورزقه.
وإذا قدر الله للعبد رزقاً أو خيراً يناله بالدعاء، لم يحصل بدون الدعاء.
وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم، فإنما قدره الله بأسباب، وليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات، وخلق فيها الأثر كما خلقها.
وليس فعل الأسباب المشروعة كافياً في حصول المطلوب، فالولد لا يحصل بمجرد الوطء فقط، بل لا بد من تمام الشروط، وانتفاء الموانع، وأن يشاء الله خلقه، وكل ذلك بقضاء الله وقدره.
وكذلك أمر الآخرة، فليس بمجرد العمل يدخل الإنسان الجنة، بل العمل سبب، وليس العمل عوضاً وثمناً كافياً في دخول الجنة.
بل لا بد من عفو الله وفضله ورحمته.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أحَداً الْجَنَّةَ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:«وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ» متفق عليه (١).
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٤٦٧)، واللفظ له، ومسلم برقم (٧٨٢).