وأكثر الذين يعجزون عن الأسباب يرزقون على أيدي من يعطيهم إما صدقة أو هدية أو نذراً، أو غير ذلك مما يؤتيه الله على أيدي من ييسره لهم.
والتاجر يفعل السبب المأمور به، ويتوكل على الله فيما يخرج عن قدرته، وغاية قدرته تحصيل السلعة ونقلها وعرضها.
أما إلقاء الرغبة في قلب من يطلبها، وبذل الثمن الذي يربح به، فهذا ليس مقدوراً للعبد.
والسعي سعيان:
سعي فيما نصب للرزق كالتجارة والعمل.
وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
والله تبارك وتعالى لا ريب أنه قضى وفرغ من تدبير أمور الخلق، ولكنه قدرها بأسبابها المفضية إليها.
فلا يكون وقوف العبد على فراغه سبحانه من أقضيته في خلقه وتدبيره مانعاً له من قيامه بالأسباب التي جعلها طرقاً لحصول ما قضاه منها.
فيباشر العبد الأسباب التي بها حفظ حياته من الطعام والشراب، واللباس والسكن ونحوها، ولا يكون وقوفه مع فراغ المدبر منها مانعاً له من تعاطيها.
وكذلك يباشر الأسباب الموجبة لبقاء النوع من النكاح والتسري، ولا يكون وقوفه مع فراغ الله من خلقه مانعاً له من فعل ما أمر به.
وهكذا جميع مصالح الدنيا والآخرة وإن كانت مفروغاً منها قضاءً وقدراً، فهي منوطة بأسبابها التي يتوقف حصولها عليها شرعاً وقدراً.
فكما جعل الله عزَّ وجلَّ الطعام سبباً للشبع والماء سبباً للري، كذلك جعل فعل المأمور وترك المحظور سباً للنجاة، وجعل فعل المحظور وترك المأمور سبباً للهلاك، وقد جعل الله لكل شيء سبباً.