وفعل الأسباب لا ينافي التوكل على الله، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل المتوكلين، وأشد عباد الله حرصاً على فعل الأسباب قد ظاهار بين درعين في أحد .. وأمر بإطفاء السراج .. وإغلاق الأبواب .. وأمر بنفض الفراش والتسمية عند النوم .. وأخذ الزاد في السفر .. وأخذ من يدله على الطريق في الهجرة .. وكان يتقي الحر والبرد .. ويأكل ويشرب .. وأمر بالتداوي .. ولم ينقص ذلك من توكله.
والله عزَّ وجلَّ يعطي عباده ويرزقهم من ثلاثة أبواب:
بالأسباب .. وبدون الأسباب .. وبضد الأسباب.
فيعطي الأسباب ليتبين به ما أفاض من صنعه، وما أودع في مخلوقاته من القوى والطبائع والمنافع.
ويعطي بدون الأسباب ليبين للعباد أن قدرة الله غير مفتقرة إلى واسطة في فعله.
ويعطي بضد الأسباب ليعلم العباد أن الله على كل شيء قدير، يفعل ما يشاء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وأخرج الماء من الحجر لموسى وقومه.
ولا يقع في هذا الوجود شيء إلا بإذن الله، والأسباب تفعل فعلها، وتظهر آثارها بإذن الله.
فلو عرض الإنسان يده للنار فإنها تحترق، ولكن هذا الاحتراق لا يكون إلا بإذن الله، فالله هو الذي أودع النار خاصية الحرق، وأودع يدك خاصية الاحتراق بها.
وهو سبحانه قادر أن يوقف هذه الخاصية حين لا يأذن لحكمة يريدها، كما وقع لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين ألقي في النار، فالنار تشتعل ولكن الله منعها من حرق إبراهيم، بل جعلها برداً وسلاماً عليه كما قال سبحانه: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩)} [الأنبياء: ٦٩].
وكذلك السحر الذي يفرقون به بين المرء وزوجه ينشئ هذا الأثر بإذن الله، والله قادر أن يوقف هذا الأثر فيه حين لا يأذن لحكمة يريدها كما قال سبحانه عن