فهكذا نعم الله لا تليق ولا تحسن ولا تجمل بأعدائه الصادين عن سبيله، الساعين في خلاف مرضاته، الذين يعصون أمره، ويعطلون ما حكم به، ويسعون في أن تكون الدعوة لغيره، والحكم لغيره، والطاعة لغيره، فهم مضادون له في كل ما يريد، يوالون أعداءه وأبغض خلقه إليه، ويظاهرونهم على الله ورسوله كما قال سبحانه: {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥)} [الفرقان: ٥٥].
والشر يطلق على شيئين:
على الألم .. وعلى ما يفضي إليه .. وليس له مسمى سوى ذلك.
فالشرور هي الآلام وأسبابها، فالكفر والشرك، والمعاصي والظلم هي شرور، وإن كان لصاحبها فيها نوع غرض ولذة، لكنها شرور لأنها أسباب الآلام.
وترتب الألم عليها كترتب الموت على تناول السموم القاتلة، وعلى الذبح والإحراق بالنار ونحو ذلك، ما لم يمنع السبب مانع، أو يعارض السبب ما هو أقوى منه، كما يعارض سبب المعاصي قوة الإيمان، وعظمة الحسنات الماحية وكثرتها، فيزيد في كميتها وكيفيتها على أسباب العذاب فيدفع الأقوى الأضعف.
فالأسباب والمعاصي التي فيها لذة ما هي شر وإن نالت بها النفس مسرة عاجلة، وهي بمنزلة طعام شهي لكنه مسموم، فهذه المعاصي والذنوب تأتي بالبلاء، وتزيل النعم.
وأحوال الأمم الذين أزال الله عنهم نعمه، فإنما سبب ذلك هو مخالفة أمره، ومعصية رسله، فهذه الأسباب شرور ولا بد.
وأما كون مسبباتها شروراً فلأنها آلام نفسية وبدنية، فيجتمع على صاحبها مع شدة الألم الحسي ألم الروح بالهموم والغموم.
ولو عرف العاقل ذلك لحذر منه أشد الحذر وهرب منه، ولكن قد ضرب على قلبه حجاب الغفلة ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وإنما يظهر له هذا حق الظهور عند مفارقة هذا العالم والوصول إلى عالم البقاء