َ شكْرِي لَك تَقول: أشكرك على حَسَب بَلَائِك عِنْدِي أَي على قدر ذَلِك.
قَالَ: وأَمّا حَسْب مَجْزُومٌ فَمَعْنَاه كَفَى، تَقول: حَسْبك ذَاكَ أَي كَفَاكَ ذَاكَ، وَأنْشد ابْن السّكيت:
وَلم يكن مَلَكٌ للْقَوْم يُنْزِلُهم
إِلَّا صَلَاصِلُ لَا تُلْوَى على حَسَبِ
قَالَ: قَوْله: لَا تُلْوَى على حَسَب أَي يُقْسَم بَينهم بالسَّوِيَّة لَا يُؤْثَرُ بِهِ أَحَدٌ، وَقيل: لَا تُلْوَى على حَسَب أَي لَا تُلْوَى على الكِفَاية لِعَوَزِ المَاء وقِلَّتِه.
وَيُقَال أَحْسَبَني مَا أَعْطاني أَي كفَاني.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: ٦٤) جَاءَ فِي التَّفْسِير: يَكْفِيك الله ويَكْفِي مَنِ اتَّبَعَك، قَالَ: وَمَوْضِع الْكَاف فِي حَسْبُكَ وَمَوْضِع مَنْ: نَصْب على التَّفْسِير كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
إِذا كَانَت الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا
فَحَسْبُك والضَّحّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّد
وَقَالَ أَبُو العَبّاس: معنى الْآيَة: يَكْفِيك الله وَيَكْفِي مَنِ اتَّبَعك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} (النِّساء: ٦) يكون بِمَعْنى مُحَاسِباً، وَيكون بِمَعْنى كَافِيا أَي يُعْطي كل شَيْء من العِلْمِ والحِفظِ والجزاءِ مقدارَ مَا يُحْسِبه أَي يَكْفِيه تَقول: حَسْبُك هَذَا أَي اكتفِ بِهَذَا.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {رَّبِّكَ عَطَآءً} (النّبَإِ: ٣٦) أَي كَافِيا، وَإِنَّمَا سُمِّي الحِساب فِي الْمُعَامَلَات حِسَابا: لِأَنَّهُ يُعْلَم بِهِ مَا فِيهِ كِفايةٌ لَيْسَ فِيهِ زِيادَةٌ على الْمِقْدَار وَلَا نُقْصانٌ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد. حَسِبْتُ الشيءَ أَحْسَبَه حِساباً، وحَسَبْتُ الشَّيْء أحْسَبُه حَساباً وحُسْبَاناً، وَأنْشد:
على الله حُسْبَانِي إِذا النَّفسُ أَشْرَفتْ
على طَمَعٍ أَو خافَ شَيْئا ضميرُها
وَقَالَ الْفراء: حَسِبْتُ الشيءَ: ظَنَنْتُه أَحْسِبُه وأَحْسَبهُ، والكَسْرُ أَجْوَدُ اللُّغَتَيْن.
وقُرِىء قولُ الله تَعَالَى: (وَلَا تحسبن) ، وليسَ فِي بَاب السَّالِم حَرْفٌ على فَعِل يَفْعِل بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي والغابر غيرُ حَسِب يَحْسِب، ونَعِمَ يَنْعِم.
وأَمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {البَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} فَمَعْنَاه بِحِسَاب.
وَأَخْبرنِي المنذِريُّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً} (الأنعَام: ٩٦) فَمَعْنَاه بِحِسَاب، فَحذف الْبَاء.
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: حُسْبَاناً: مصدر، كَمَا تَقول: حَسَبْتُه أَحْسبُهُ حُسْباناً وحِسَاباً، وَجعله الْأَخْفَش جَمْعَ حِسابٍ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: الحُسْبان جمع حِساب وَكَذَلِكَ أَحْسِبَةٌ مثلُ شِهَاب وأَشْهِبَة وشُهْبَان.
وَأما قَوْله عزَّ ذِكْرُه: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (الْكَهْف: ٤٠) فَإِن الْأَخْفَش قَالَ: الحُسْبَانُ: المَرَامي، واحدتها حُسْبَانة.