للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: وهكَذا قَوْله لملائِكَتِهِ: {لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى خَالِقٌ بَشَراً مِّن} (ص: ٧١، ٧٢) وَمثله {طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} (النِّسَاء: ١٧١) والرُّوحُ فِي هَذَا كُله خَلْقٌ من خلْق الله لم يُعْطِ علمه أحدا.

وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ فِي قَول الله جلَّ وعزَّ: {حَكِيمٌ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا} (الشّورى: ٥٢) قَالَ: هُوَ مَا نَزَل بِهِ جِبْرِيل من الدّين فَصَارَ يُحْيِ بِهِ الناسَ، يعيشُ بِهِ الناسُ. قَالَ: وكلُّ مَا كَانَ فِي القُرآن فَعَلْنَا فَهُوَ أَمْرُه بأعْوانه أَمَرَ بِهِ جبريلَ وميكائيلَ وملائكتَه، وَمَا كَانَ فعلْتُ فَهُوَ مَا تفرَّد بِهِ.

قَالَ: وأمَّا قَوْله {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البَقَرَة: ٨٧) فَهُوَ جبريلُج.

وَقَول الله: {خِطَاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَاّ يَتَكَلَّمُونَ إِلَاّ مَنْ أَذِنَ} (النّبَإ: ٣٨) قَالَ ابْن عَبَّاس: الرُّوح مَلَكٌ فِي السَّماء السابِعة وَجْهُه على صُورَةِ الْإِنْسَان وجَسَدُهُ على صُورَةِ الْمَلَائِكَة. وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن الرُّوحَ هَهُنا جِبْرِيلُ.

قَالَ وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الرُّوْح الفَرَحُ، والرُّوح القرآنُ، والرُّوح الأَمْر، والرُّوح النفْس.

وَيُقَال: هَذَا الْأَمر بَيْننَا رَوْحٌ ورِوَحٌ وعَوَرٌ إِذا تَرَاوَحُوه وتعاوَرُوه.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَقَوله جلَّ وعزَّ: {الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ} (غَافر: ١٥) وَقَوله {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} (النّحل: ٢) هَذَا كُله مَعْنَاهُ الوحْيُ، سُمي رُوحاً لِأَنَّهُ حياةٌ مِنْ مَوْتِ الكُفْرِ فَصَارَ يَحْيَا بِهِ النَّاسُ كالرُّوح الَّذِي يَحْيَا بِهِ جَسَدُ الْإِنْسَان. وَقَوله {الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ} (الواقِعة: ٨٩) على قِرَاءَة من قَرأَ بضَم الرّاء، فتفسيرُه فحياةٌ دائِمَةٌ لَا موتَ مَعَها. وَمن قَالَ (فَرَوْحٌ) فَمَعْنَاه فاستِرَاحَةٌ. وأمَّا قَول الله جلَّ وعزَّ: {الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ} (المجَادلة: ٢٢) فَمَعْنَاه بِرَحْمَةٍ مِنْهُ، كَذَلِك قَالَ الْمُفَسِّرُونَ. وَقد يكون الرَّوْح أَيْضا بِمَعْنى الرَّحْمَة قَالَ الله جلَّ وعزَّ: {وَلَا تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ} (يُوسُف: ٨٧) أَي من رَحْمَة الله، سمّاها رَوْحاً؛ لِأَن الرَّوْح والرَّاحَةُ بهَا. قلت وَكَذَلِكَ قَول الله جلَّ وعزَّ فِي عِيسَى: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} (النِّسَاء: ١٧١) أَي رحمةٌ مِنْهُ تبَارك وَتَعَالَى.

والرُّوح فِي كَلَام العَرب أَيْضا النَّفْخُ، سُمي رُوحاً لِأَنَّهُ يَخْرجُ من الرّوح وَمِنْه قَول ذِي الرُّمَّة فِي نارٍ اقْتدحها وَأمر صاحباً لَهُ بالنفخ فِيهَا، فَقَالَ:

فقلتُ لَهُ ارْفَعْها إليكَ وأَحْيِها

بِرُوحِكَ واجْعَله لَهَا قِيتَةً قدْراً

أحْيِها برُوحك أَي بِنَفْخِك. واجعله لَهَا: الْهَاء للرُّوح لأنَّه مذكَّر فِي قَوْله واجعله. وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله (لَهَا) أَي للنّار وَهِي مؤنَّثَة. وأمّا الرُّوحَانيُّ من خلْق الله فَإِن أَبا دَاوُد المَصَاحفي رَوى عَن النَّضر بن شُمَيْل فِي كتاب الْحُرُوف المفسَّرة من غَرِيب الحَدِيث أَنه قَالَ، حَدثنَا عَوْف الأعرابيّ عَن وَرْدان أبي خَالِد أَنه قَالَ: بلغَنَي أَن الملائكةَ: مِنْهُم رَوحَانِيُّون وَمِنْهُم من خُلِقَ من النُّورِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>