للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعقُوبَة مَا قَدَرْناه.

وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: رُوِي أنَّه ذهب مغاضباً لِقَوْمِهِ، ورُوي أنَّه ذهب مغاضباً لرَبه، فأمَّا من اعْتقد أنّ يونُس ظن أَن لن يَقدِر الله عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِر، لأنّ من ظنّ ذَلِك غيرُ مُؤمن، وَيُونُس رسولٌ لَا يجوز ذَلِك الظنُّ عَلَيْهِ.

قَالَ: وَالْمعْنَى: فظنّ أَن لن نَقدِر عَلَيْهِ العقوبةَ.

قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون تَفْسِيره فظنَّ أَن لن نضيّق عَلَيْهِ من قَوْله جلّ وعزّ: {سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ} (الطَّلَاق: ٧) ، أَي: من ضيِّق عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ قَوْله: {أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - أَهَانَنِ} (الْفجْر: ١٦) ، معنى: فَقدر: فضيَّقَ عَلَيْهِ، وَقد ضَيق الله جلّ وعزّ على يُونُس أشدّ التَّضْيِيق على معذَّبٍ فِي الدُّنْيَا، لأنَّه سَجَنه فِي بطن الْحُوت فَصَارَ مكظوماً، أُخِذ فِي بَطْنه بكظمه.

وسمعتُ الْمُنْذِرِيّ يَقُول: أفادني ابنُ اليزيدي عَن أبي حَاتِم فِي قَوْله: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} ، أَي: لن نضيّق عَلَيْهِ.

قَالَ: وَلم يدر الأخفشُ مَا معنى (نقدَر) ، وَذهب إِلَى مَوضِع القُدرة، إِلَى معنى فظنّ أَن يفوَّتنا وَلم يَعلَم كلامَ الْعَرَب حتَّى قَالَ: إنَّ بعض الْمُفَسّرين قَالَ: أَرَادَ الِاسْتِفْهَام أفظَنَّ أَن لن نقدر عَلَيْهِ، وَلَو علم أنّ معنى نَقْدِرُ: نُضيِّق، لم يَخْبِط هَذَا الخَبْط وَلم يكن عَالما بِكَلَام الْعَرَب، وَكَانَ عَالما بِقِيَاس النحوَ.

قَالَ: وَقَوله: {سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ} (الطَّلَاق: ٧) ، أَي: ضيِّق عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله: {أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - أَهَانَنِ} (الْفجْر: ١٦) ، أَي: ضيَّق.

وَأما قَوْله جلّ وَعز: {مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} (المرسلات: ٢٣) .

فإنّ الْفراء قَالَ: قَرَأَهَا على (فقدَّرنا) وخففها عَاصِم، وَلَا تُبعدنَّ أَن يكون الْمَعْنى فِي التَّخْفِيف وَالتَّشْدِيد وَاحِدًا، لأنَّ الْعَرَب تَقول: قُدِّر عَلَيْهِ الْمَوْت وقُدر عَلَيْهِ الموتُ، وقُدِّرَ عَلَيْهِ رزقُه وقدِر.

قَالَ: واحتجّ الَّذين خفّفوا فَقَالُوا: لَو كَانَت كَذَلِك لقَالَ: (فَنعم المقدّرون) . وَقد تجمع الْعَرَب بَين اللغتين.

قَالَ الله جلّ وَعز: {كَيْداً فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} (الطارق: ١٧) .

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} (الْأَنْبِيَاء: ٨٧) ، أَي: ظَنّ أنْ لن نقدِّر عَلَيْهِ مَا قَدرنَا من كَونه فِي بطن الْحُوت.

قَالَ: ونقدِر بِمَعْنى نقدِّر. وَقد جَاءَ هَذَا التَّفْسِير.

قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو إِسْحَاق صَحِيح، وَالْمعْنَى: مَا قدّره الله عَلَيْهِ من التَّضْيِيق فِي بطن الْحُوت، وَيكون الْمَعْنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>