للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا قدّره الله عَلَيْهِ من التَّضْيِيق، كَأَنَّهُ قَالَ: ظنّ أَن لن نضيّق عَلَيْهِ، وكلّ ذَلِك شَائِع فِي اللُّغَة، وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ، فَأَما أَن يكون قَوْله: {أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} فِي الْقُدْرَة فَلَا يجوز، لأنَّ مَن ظنّ هَذَا كَفَر، والظنّ شكّ، والشكّ فِي قدرَة الله كفرٌ. وَقد عصم الله أنبياءه عَن مثل مَا ذهب إِلَيْهِ هَذَا المتأوّل. وَلَا يتَأَوَّل مثله إِلَّا الجاهلُ بِكَلَام الْعَرَب ولغاتها.

والقَدِير والقادر من صِفَات الله جلّ وَعز، يكونَانِ فِي القُدرة، ويكونان من التَّقْدِير.

وَقَوله جلّ وعزّ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} (الْبَقَرَة: ٢٠) فِي الْقُدْرَة لَا غير، كَقَوْلِه: {عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِرًا} (الْكَهْف: ٤٥) ، وَالله مقدِّر مَا هُوَ كَائِن وقاضيه.

وَفِي الحَدِيث: (إِن الله قَدَّر الْمَقَادِير قبل أَن يخلق السَّمَوَات والأرَضينَ بِخَمْسِينَ ألف عَام) .

وَقَالَ اللَّيْث: الْقُدْرَة: مصدرُ قَدَرَ على الشَّيْء قُدرة، أَي: مَلَكه فَهُوَ قادرٌ قدير.

واقتَدَر الشيءَ: جَعَلَه قَدْراً، وكلُّ شَيْء مقتَدِر فَهُوَ الوَسَط، تَقول: رجل مقْتَدِر الطول لَيْسَ بجد طَوِيل.

وَقَوله جلّ وعزّ: {صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ} (الْقَمَر: ٥٥) ، أَي: قَادر.

قَالَ: والقَدْرُ من الرّحال والسُّروج وَنَحْوهَا الوَسَطَ، تَقول: هَذَا سَرْج قَدْر وقَدَرٌ مخفّف ويثقل.

وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صُومُوا لرُؤيته وأفطروا لرُؤْيَته فَإِن غُمّ عَلَيْكُم فاقدرُوا لَهُ) .

وَفِي حَدِيث آخر: (فإنْ غُمَّ عَلَيْكُم فأكملوا العدّة) .

وَقَوله: فاقدروا لَهُ، أَي قَدِّروا عددَ الشَّهر وأكْملوه ثَلَاثِينَ يَوْمًا، واللفظان وَإِن اختَلَفَا يرجعان إِلَى معنى وَاحِد.

ورُوي عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله: (فاقدرُوا لَهُ) أَي: قدّروا لَهُ مَنازلَ الْقَمَر، فإنّها تُبيِّن لكم أنّ الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ أَو ثَلَاثُونَ.

قَالَ: وَهَذَا خطابٌ لمن تخصّص بِهَذَا العِلم من أهل الْحساب.

قَالَ: وَقَوله: (فأكملوا العِدّة) هُوَ خطابٌ لعوامِّ النَّاس الَّذين لَا يُحسنون تَقْدِير منازلَ الْقَمَر.

قَالَ: وَهَذَا نَظِير الْمَسْأَلَة المشكِلةَ تنزل بالعالِم الَّذِي أعطيَ آلةَ الِاجْتِهَاد، فَلهم تقليدُ أهل الْعلم.

وَالْقَوْل الأول عِنْدِي أصح وأوضح، وَأَرْجُو أَن يكون قَول أبي الْعَبَّاس غير خطأ. وَالله أعلم.

وَقَالَ اللَّيْث: القِدْر مَعْرُوفَة وَهِي مُؤَنّثَة وتصغيرها قُديْر بِلَا هَاء.

قلت: القِدْر مؤنّثة عِنْد جَمِيع الْعَرَب بِلَا هَاء، وَإِذا حُقِّرتْ قيل لَهَا: قُدَيرة وقديرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>