للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

من البشتي فِيمَا قَالَه من كِيسِه تأنيثُه القَعود وَلَا يكون القَعود عِنْد الْعَرَب إلاّ ذكرا. وَالثَّانِي أَنه لَا قعُود فِي الْإِبِل تعرفه العربُ غير مَا فسره ابنُ السّكيت. وَرَأَيْت العربَ تجْعَل الْقعُود البَكرَ من حينَ يُركِبُ، أَي يُمكن ظهرَه من الرّكُوب. وَأقرب ذَلِك أَن يستكمل سنتَيْن إِلَى أَن يُثْنى، فَإِذا أثنَى سمِّي جملا. والبكْر والبَكْرة بِمَنْزِلَة الْغُلَام وَالْجَارِيَة اللَّذين لم يدركا. وَلَا تكون البكرةُ قَعوداً. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عنهُ: الْبكر قَعودٌ مثل القَلوص فِي النوق إِلَى أَن يثْنى. هَكَذَا قَالَ النَّضر بن شُمَيْل فِي كتاب (الْإِبِل) .

قلت: وَقد ذكرت لَك هَذِه الأحرف الَّتِي أَخطَأ فِيهَا والتقطتها من أوراق قَليلَة، لتستدلّ بهَا على أنّ الرجل لم يَفِ بِدَعْوَاهُ. وَذَلِكَ أَنه ادّعَى معرفَة وحفظاً يُمَيّز بهَا الغثَّ من السمين، وَالصَّحِيح من السقيم، بعد اعترافه أَنه استنبط كِتَابه من صحف قَرَأَهَا، فقد أقرَّ أَنه صحفيٌّ لَا رِوَايَة لَهُ وَلَا مُشَاهدَة، ودلّ تصحيفه وخطؤه على أَنه لَا معرفَة لَهُ وَلَا حفظ. فَالْوَاجِب على طلبة هَذَا الْعلم ألاّ يغترُّوا بِمَا أودع كِتَابه، فإنّ فِيهِ مَنَاكِير جَمّةً لَو استقصيتُ تهذيبَها اجْتمعت مِنْهَا دفاترُ كَثِيرَة. وَالله يُعيذنا من أَن نقُول مَا لَا نعلمهُ، أَو ندَّعي مَا لَا نُحسنه، أَو نتكثَّرَ بِمَا لم نُؤْتَه. وفقنا الله للصوابِ، وأداءِ النُّصح فِيمَا قصدناه، وَلَا حَرَمنا مَا أمّلناه من الثَّوَاب.

وَأما أَبُو الْأَزْهَر البُخَاري: الَّذِي سمّى كِتَابه (الحصائل) ، فَإِنِّي نظرت فِي كِتَابه الَّذِي ألّفه بخطّه وتصفَّحته، فرأيته أقلَّ معرفَة من البُشتيّ وَأكْثر تصحيفاً. وَلَا معنى لذكر مَا غيَّر وأفسد، لكثرته. وَإِن الضَّعِيف الْمعرفَة عندنَا من أهل هَذِه الصِّنَاعَة، إِذا تأمَّل كتابَه لم يَخْفَ عَلَيْهِ مَا حلَّيتُه بِهِ. ونعوذ بِاللَّه من الخذلان وَعَلِيهِ التُّكلان.

وَلَو أنّي أودعتُ كتابي هَذَا مَا حوتْه دفاتري، وقرأته من كتب غَيْرِي وَوَجَدته فِي الصُّحُف الَّتِي كتبهَا الورّاقون، وأفسدها المصحِّفون، لطال كتابي. ثمَّ كنتُ أحدَ الجانين على لُغَة الْعَرَب ولسانها ولَقليلٌ لَا يُخْزِي صَاحبه خيرٌ من كثير يفضحُه.

وَلم أُودِعْ كتابي هَذَا من كَلَام الْعَرَب إلاّ مَا صحّ لي سَمَاعا مِنْهُم، أَو رِوَايَة عَن ثِقَة، أَو حِكَايَة عَن خطِّ ذِي معرفةٍ ثاقبة اقترنت إِلَيْهَا معرفتي، اللهمّ إلاّ حروفاً وَجدتهَا لِابْنِ دُرَيْد وَابْن المظفّر فِي كِتَابَيْهِمَا، فبينت شكّي فِيهَا، وارتيابي بهَا. وستراها فِي مواقعها من الْكتاب ووقوفي فِيهَا.

ولعلَّ نَاظرا ينظرُ فِي كتابي هَذَا فَيرى أَنه أخلَّ بِهِ إعراضي عَن حروفٍ لَعلَّه يحفظها لغيري، وَحذْفي الشواهدَ من شعر الْعَرَب للحرفِ بعد الْحَرْف، فيتوّهم ويوهم غَيره أنَّه حفِظ مَا لم أحفظْه، وَلَا يعلم أَنِّي غزَوتُ فِيمَا حذَفتُه إعفاءَ الكتابِ من التَّطْوِيل الممّل،

<<  <  ج: ص:  >  >>