للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَيُقَال للرَّجل نَفسه: رَابّ.

قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحيح؛ وَلَا أَعلم الَّذِي قَالَه اللَّيث صَحِيحاً.

وَقد قَالَ أَحْمد بن يحيى للْقَوْم الَّذين اسْتُرضع فيهم النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرِبّاء النّبيّ.

كَأَنَّهُ جمع رَبيب فعيل، بِمَعْنى فَاعل.

وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الرُّبَّى: الْحَاجة، يُقَال: لي عِنْد فلانٍ رُبّى.

قَالَ: الرُّبّى: الرَّابّة. والرُّبّى: العُقْدة المُحْكَمة. وَفِي مَثَل: إِن كُنْتَ بِي تَشُدّ ظَهْرك فأَرْخِ من رُبّى أَزْرَك. يَقُول: إِن عَوَّلْت عليّ فَدَعْني أَتْعَب واسْتَرِخ أَنْت واسْتَرِحْ.

والرُّبَّى: النِّعمة والإحْسان.

وَقَالَ النَّحويون: رُبّ: من حُروف المَعاني، والفَرق بَينهَا وَبَين (كم) أَن (رب) للتَّقْلِيل و (كم) وُضعت للتَّكْثير إذَا لم يُرَد بهَا الِاسْتِفْهَام. وَكِلَاهُمَا يَقع على النّكرات فَيخْفِضها.

وَقَالَ الزّجاج: مَن قَالَ إِن (ربّ) يُعنى بهَا التكثير فَهُوَ ضدّ مَا تَعرفه الْعَرَب.

قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جَازَت (رب) فِي قَول الله عز وَجل: (ربَّما يود الَّذين كفرُوا) (الْحجر: ٢) هَا هُنَا، وَهِي للتقليل؟

فَالْجَوَاب فِيهِ: أَن الْعَرَب خوطبت بِمَا تعلمه من التهديد، والرَّجل يَتَهَدَّد الرجل فَيَقُول لَهُ: لعلّك سَتندم على فعلك، وَهُوَ لَا يشك فِي أَنه يَنْدم.

وَيَقُول لَهُ: ربّما ينْدَم الْإِنْسَان من مثل مَا صَنعت، وَهُوَ يعلم أَن الْإِنْسَان يَنْدم كثيرا.

ولكنّ مجازه أنّ هَذَا لَو كَانَ مِمَّا يُوَدّ فِي حالٍ وَاحِدَة من أَحْوَال الْعَذَاب، أَو كَانَ الْإِنْسَان يخَاف أَن يَندم على الشَّيْء لوَجب عَلَيْهِ اجْتنابه.

والدَّليل على أَنه على معنى التّهدد قَوْله تَعَالَى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} (الْحجر: ٣) .

وَالْفرق بَين (رُبمَا) و (رب) أَن (رب) لَا يَلِيهِ غير الِاسْم، وَأما (رُبمَا) فَإِنَّمَا زيدت (مَا) مَعَ (رب) لِيَلِيها الْفِعْل. تَقول: رُبّ رجل جَاءَنِي، أَو رُبمَا جَاءَنِي زيد.

وَتقول: رب يَوْم بكرت فِيهِ، ورُبّ خمرة شَرِبْتها.

وَتقول: رُبما جَاءَنِي زيد، وَرُبمَا حضرني زيد.

وَأكْثر مَا يَلِيهِ الْمَاضِي، وَلَا يَلِيهِ من الغابر إِلَّا مَا كَانَ مُسْتَيْقناً، كَقَوْلِه تَعَالَى: (رُبَّما يود الَّذين كفرُوا) (الْحجر: ٢) .

ووَعْد الله حقٌّ، كَأَنَّهُ قد كَانَ، فَهُوَ فِي مَعنى مَا مَضى، وَإِن كَانَ لَفظه مُسْتَقبلاً.

وَقد يَلِي (رُبمَا) الْأَسْمَاء، وَكَذَلِكَ: (رُبتما) ؛ وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:

<<  <  ج: ص:  >  >>