للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأنْشد لبَشِير بن النِكْث أحد الرُجَّاز:

فبَدِعَتْ أَرْنَبُهُ وخِرْنُقُهْ

أَي سمِنتْ

وَقال اللَّيْث: قرىء: (بديعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض) (الْبَقَرَة: ١١٧) بِالنّصب على وَجه التَّعَجُّب لِمَا قَالَ الْمُشْركُونَ، على معنى بدْعاً مَا قُلْتُمْ وبديعاً اخترقتم، فنصبه على التعجّب وَالله أعلم أهوَ كَذَلِك أم لَا. فأمّا قِرَاءَة الْعَامَّة فالرفع، وَيَقُولُونَ: هُوَ اسْم من أَسمَاء الله.

قلت مَا علمت أحدا من القرّاء قَرَأَ: (بديعَ) بِالنّصب، والتعجُّبُ فِيهِ غير جَائِز. وَإِن جَاءَ مثله فِي الْكَلَام فنصبه على الْمَدْح كَأَنَّهُ قَالَ اذكر بديع السَّمَاوَات شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِدْع من الرِّجَال الغُمْرُ.

بعد: قَالَ اللَّيْث: بَعْدُ كلمة دالّة على الشَّيْء الْأَخير. تَقول: بعدَ هَذَا، منصوبٌ. فَإِذا قلت: أمَّا بعدُ فَإنَّك لَا تضيفه إِلَى شَيْء، وَلَكِنَّك تَجْعَلهُ غَايَة نقيضاً لقَبْل.

قَالَ الله تَعَالَى: {بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الَاْمْرُ مِن قَبْلُ} (الرُّوم: ٤) فرفعهما لِأَنَّهُمَا غايةٌ مقصودٌ إِلَيْهَا، فَإِذا لم يَكُونَا غَايَة فهما نَصْبٌ لِأَنَّهُمَا صفة.

وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالُوا: قَبل وَبَعد من الأضداد.

وَقَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: {ضُحَاهَا وَالَاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النَّازعات: ٣٠) أَي قبل ذَلِك. قلت وَالَّذِي حَكَاهُ أَبُو حَاتِم عمَّن قَالَه خطأ، قبل وبعدُ كلّ وَاحِد مِنْهُمَا نقيض صَاحبه، فَلَا يكون أَحدهمَا بِمَعْنى الآخر، وَهُوَ كَلَام فَاسد.

وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {ضُحَاهَا وَالَاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النَّازعات: ٣٠) فَإِن السَّائِل يَسأل عَنهُ فَيَقُول: كَيفَ قَالَ: {وَالَاْرْضَ بَعْدَ} وَالْأَرْض أُنشىء خَلْقها قبل السَّمَاء، وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {مَمْنُونٍ قُلْ أَءِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الَاْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ} (فُصّلَت: ٩) فلمَّا فرغ من ذكر الأَرْض وَمَا خَلَق فِيهَا قَالَ الله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ} (فصلت: ١١) وثُمَّ لَا يكون إِلَّا بَعد الأول الَّذِي ذُكِر قبله. وَلم يخْتَلف المفسّرون أَن خَلْق الأَرْض سَبَق خَلق السَّمَاء.

وَالْجَوَاب فِيمَا سَأَلَ عَنهُ السَّائِل أَن الدَحْوَ غيرُ الْخلق، وإنَّما هُوَ البَسْط، والخَلق هُوَ الْإِنْشَاء الأوَّل. فَالله جلّ وعزّ خلق الأَرْض أوَلاً غير مَدْحُوَّة. ثمَّ خلق السَّمَاء، ثمَّ دَحا الأَرْض أَي بَسَطها.

والآيات فِيهَا مؤتلِفة وَلَا تنَاقض بِحَمْد الله فِيهَا عِنْد من يفهمها. وَإِنَّمَا أُتِيَ الملحِد الطاعن فِيمَا شاكلها من الْآيَات من جِهَة غباوته وغِلظ فهمه، وقلَّة علمه بِكَلَام الْعَرَب.

وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الَاْمْرُ مِن قَبْلُ} (الرُّوم: ٤) الْقِرَاءَة بِالرَّفْع بِلَا نونٍ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنى يُرَاد بهما الْإِضَافَة إِلَى شَيْء لَا محَالة، فَلَمَّا أدّتا عَن معنى مَا أضيفتا إِلَيْهِ وسُميتَا بِالرَّفْع، وهما فِي مَوضِع جرّ ليَكُون الرّفْع دَلِيلا على مَا سقط. وَكَذَلِكَ مَا أشبههما؛

<<  <  ج: ص:  >  >>