وَهَذَا مَوضِع يَحتاج النَّاس إِلَى تفهّمه، وَأَيْنَ يَنْفصل المُؤمن من المُسلم، وَأَيْنَ يستويان؟
فالإسلام إِظْهَار الخُضوع والقَبول لما أَتَى بِهِ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه يُحقَن الدَّم، فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك الْإِظْهَار اعْتِقَاد وتصديقٌ بِالْقَلْبِ فَذَلِك الْإِيمَان، الَّذِي يُقال للموصوف بِهِ: هُوَ مُؤمن مُسلم، وَهُوَ الْمُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله، غير مرتاب وَلَا شَاك، وَهُوَ الَّذِي يَرى أَن أَدَاء الْفَرَائِض واجبٌ عَلَيْهِ، وَأَن الْجِهَاد بِنَفسِهِ وَمَاله واجبٌ عَلَيْهِ، لَا يدْخلهُ فِي ذَلِك رَيب، فَهُوَ الْمُؤمن وَهُوَ المُسلم حقًّا؛ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: { (رَّحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: ١٥) أَي: أُولَئِكَ الَّذين قَالُوا إنّا مُؤْمنون، فهم الصادقون.
فَأَما من أظهر قبُول الشَّريعة واستسلم لدفع الْمَكْرُوه، فَهُوَ فِي الظَّاهِر مُسْلم وباطنُه غَير مصدِّق، فَذَلِك الَّذِي يَقُول: أَسلمت، لِأَن الْإِيمَان لَا بدّ من أَن يكون صَاحبه لَا صدِّيقاً، لِأَن قَوْلك: آمَنت بِاللَّه، أَو قَالَ قَائِل: آمَنت بِكَذَا وَكَذَا، فَمَعْنَاه: صَدّقت، فَأخْرج الله تَعَالَى هَؤُلَاءِ من الْإِيمَان، فَقَالَ: {أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِى} (الحجرات: ١٤) ، أَي: لم تصدِّقوا إِنَّمَا أَسْلمتم تعوُّذاً من الْقَتْل.
فالمؤمن مُبطن من التَّصديق مثل مَا يُظهر، والمُسلم التامّ الْإِسْلَام مُظْهرٌ الطَّاعَة مُؤمن بهَا، وَالْمُسلم الَّذِي أظهر الْإِسْلَام تعوُّذاً غيرُ مُؤمن فِي الْحَقِيقَة، إِلَّا أنّ حُكمه فِي الظَّاهِر حُكْم المُسلمين.
وَقَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن إخْوَة يُوسُف لأبيهم: {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} (يُوسُف: ١٧) . لم يخْتَلف أهل التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: وَمَا أَنْت بمصدِّق لنا.
وَالْأَصْل فِي الْإِيمَان الدُّخول فِي صِدْق الْأَمَانَة الَّتِي ائتمنه الله عَلَيْهَا، فَإِذا اعْتقد التَّصديق بِقَلْبِه كَمَا صدَّق بِلِسَانِهِ، فقد أدّى الْأَمَانَة وَهُوَ مُؤمن، وَمن لم يعْتَقد التَّصْدِيق بِقَلْبِه فَهُوَ غير مؤدَ للأمانة الَّتِي ائتمنه الله عَلَيْهَا وَهُوَ مُنافق.
وَمن زعم أَن الْإِيمَان هُوَ إِظْهَار القَوْل دون التَّصْدِيق بالقَلب، فَإِنَّهُ لَا يَخلو مِن وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن يكون منافقاً يَنْضح عَن الْمُنَافِقين تأييداً لَهُم.
أَو يكون جَاهِلا لَا يَعلم مَا يَقوله وَمَا يُقال لَهُ، أَخرجه الْجَهْل واللَّجاج إِلَى عِناد الْحق وتَرك قَبُول الصَّوَاب.
أعاذنا الله من هَذِه الصّفة وَجَعَلنَا مِمَّن عَلم فاسْتعمل مَا عَلِم، أَو جهل فتعلّم مِمَّن علم، وسلّمنا من آفَات أهل الزَّيغ والبدع. وحَسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute