للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي قَول الله تَعَالَى: { (رَّحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: ١٥) مَا يبيّن لَك أَن (الْمُؤمن) هُوَ المُتضمن لهَذِهِ الصّفة، وَأَن من لم يتضمّن هَذِه الصّفة فَلَيْسَ بمؤُمن، لِأَن (إِنَّمَا) فِي كَلَام الْعَرَب تَجِيء لتثبيت شَيْء وَنفي مَا خَالفه. وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه.

وَقَالَ النَّضر: قَالُوا للخليل: مَا الْإِيمَان؟ فَقَالَ: الطُّمَأنينة.

قَالَ: وَقَالُوا للخليل: تَقول: أَنا مُؤمن؟ قَالَ: لَا أقوله. وَهَذَا تَزْكِيَة.

وَالْمُؤمن: من أَسمَاء الله تَعَالَى، الَّذِي وَحَّد نَفْسه بقوله: {وَإِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ وَاحِدٌ} (الْبَقَرَة: ١٦٣) وَبِقَوْلِهِ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَاهَ إِلَاّ هُوَ} (آل عمرَان: ١٨) .

وَقيل: الْمُؤمن فِي صفة الله: الَّذِي آمن الخَلْق من ظُلمه.

وَقيل: الْمُؤمن: الَّذِي آمن أولياءَه عذابَه.

قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَقيل: المُؤمن: الَّذِي يصدق عبادَه مَا وَعدهم.

وكُلّ هَذِه الصِّفات لله تَعَالَى، لِأَنَّهُ صَدَّق بقوله مَا دَعَا إِلَيْهِ عبادَه من تَوحيد، وَلِأَنَّهُ آمَن الخَلْق من ظلمه، وَمَا وعدنا من الْبَعْث، وَالْجنَّة لمن آمن بِهِ، وَالنَّار لمن كفر بِهِ، فَإِنَّهُ مُصدِّق وَعده لَا شريك لَهُ.

وَيُقَال: استأمنني فلَان.

فآمَنته أُومنه إِيمَانًا.

وقُرىء فِي سَجدة بَراءة: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} (التَّوْبَة: ١٢) .

فَمن قَرَأَ بِكَسْر الْألف، فَمَعْنَاه: إِنَّهُم إِذا أجارُوا وآمَنُوا المُسلمين لم يَفُوا وغَدَروا. وَالْإِيمَان، هَاهُنَا: الْإِجَارَة وَالْأَمَانَة.

حَدثنَا السَّعْدِيّ، حَدثنا البكائي، حَدثنَا عبد الله، عَن أبي هِلَال، عَن قَتَادَة، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا إِيمَان لمن لَا أَمَانَة لَهُ، وَلَا دين لمن لَا عَهْد لَهُ) .

وَيُقَال: أمّن الإِمَام والدّاعي تَأْمِيناً، إِذا قَالَ بعد الْفَرَاغ من أم الْكتاب: آمِين.

وَأما قَول الله تَعَالَى: {فَوْزاً عَظِيماً إِنَّا عَرَضْنَا الَاْمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالَاْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا} (الْأَحْزَاب: ٧٢) فقد رُوي عَن ابْن عبَّاس وسَعيد بن جُبير، أَنَّهُمَا قَالَا: الْأَمَانَة، هَاهُنَا: الْفَرَائِض الَّتِي افترضها الله على عِباده.

وَقَالَ ابْن عمر: عُرضت على آدم الطَّاعَة والمَعْصية، وعُرِّف ثَوَاب الطَّاعَة وعقاب المَعْصية.

وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ: أَن الْأَمَانَة، هَاهُنَا: النِّية الَّتِي يَعْتقدها الْإِنْسَان، لِأَن الله ائتمنه عَلَيْهَا وَلم يُظهر عَلَيْهَا أحدا من خَلقه، فَمن أَضْمر من التّوحيد والتصديق مثل مَا أظهر، فقد أدّى الْأَمَانَة، وَمن أَضْمر

<<  <  ج: ص:  >  >>