وإذا نظرنا إلى قول القائل بأن العلة القوت والادخار، نجده غير واضح إذ أن مطعومات كثيرة كانت لا تقتات ولا تدخر، أصبحت الآن تقتات وتدخر، وأصبح إدخار الطعام سهلًا ميسورًا، فهل الحكم سيتغير في الصنف الواحد من عصر إلى عصر؟ هذا محال إذ أن الحكم لا يتغير بينما الفتوى هي التي تتغير أحيانًا. أما قول القائل بأن العلة هي الطعم والجنس مكيلًا كان أو موزونًا، فأرى التقييد بالكيل والوزن أيضًا غير سديد، إذ أن أشياء تكال في بلد لا تكال في بلد أخرى، وأشياء أخرى كانت لا تكال ولا توزن، أصبحت الآن تكال وتوزن بل تباع بالجرامات وأخرى تباع بالسنتيمترات، ثم ما الفارق بين ما يكال أو يوزن وبين ما يعد؟ أليس المقصد من تحريم الربا المماثلة وعدم الظلم؟ فإذا سألنا عن حكم البرتقال هل يجري فيه الربا أم لا؟ ستكون على قاعدتهم يجري إذ هو مطعوم موزون، فإذا أبدلنا البرتقال بالبطيخ هل يجري فيه الربا أم لا؟ سيكون الجواب لا إذ هو معدود، فليس بموزون ولا مكيل، فيأتي هنا السؤال بداهة! ما الفارق بين البطيخ والبرتقال، أليس البرتقال فاكهة، والبطيخ فاكهة؟!
لذا أرى والله أعلى وأعلم أن القول الراجح من هذه الأقوال هو قول الإمام الشافعي والرواية الثانية عن الإمام أحمد، أن الربا يجري في كل مطعوم بجنسه، دون تعصب لهذا الرأي، فالخلاف في هذه المسألة واسع يسع أهل العلم فيه الخلاف ولمن اجتهد وأصاب أجران ولمن اجتهد وأخطأ أجر، وأسأل الله جل وعلا أن يجنبنا الشطط والزلل.