للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحاديث الصفات بظاهر: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ١، وردت الخوارج أحاديث الشفاعة، وخروج أهل الكبائر الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن في آيات الوعيد، والجهمية أحاديث الرؤية بظاهر آية: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} ٢، والقدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن، وردت كل طائفة ما ردته، فإمَّا أن يطرد الباب في قبولها, ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن، وإما أن يطرد الباب في رد لكل, وما من أحدٍ ردَّ سنة بما فهمه من ظاهر القرآن إلّا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك، وقد أنكر أحمد والشافعي على مَنْ ردَّ أحاديث تحريم كل ذي٣ ناب من السباع بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} ٤.

وروى أحمد وابو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي في الدلائل عن أبي


١ الشورى: ١١.
٢ الأنعام: ١٠٣.
٣ قال المؤلف -رحمه الله: حديث نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كلِّ ذي ناب من السباع رواه الستة جميعًا كما في شرح المشكاة, وهو في البخاري والموطأ بلفظ: وحديث نهي عن أكل كل ذي مخلب من الطير. رواه أحمد ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة كما في المشكاة، وقد حكى ابن رشد الإجماع على إباحة كل طير ولو جلّالة وذا مخلب، وبحث معه في الإجماع، وعلى كل حالٍ فهو مشهور المذهب الذي في المختصر وغيره، أخذًا بظاهر القرآن وتقديمًا له على السنة كما هو أصل المذهب, أما ذو الناب من السباع: فمشهور مذهب مالك الكراهة في السبع والضبع والثعلب والذيب والهر وإن وحشيًّا, ولم يردّ المالكية الحديث بل حملوه على الكراهة، قالوا: لعدم صراحة لفظ:"نهى" في الحرمة جمعًا بينه وبين القرآن المصرح بقوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ..} الآية. ومذهب الموطأ: تحريم كل ذي ناب من السباع لحديث عبيدة بن سفيان الحضرميّ مرفوعًا: "كل ذي ناب من السباع فهو حرام" ونحوه في البخاري, ولعمل أهل المدينة أيضًا، ففي الموطأ قال مالك: وهو الأمر عندنا. وإن كان ظهر المدونة الكراهة، واعتمده ابن العربي وغيره، واعتمد ابن عبد البر صريح الموطأ، ثم إن مالكًا من أصول مذهبه تقديم ظاهر القرآن على صريح السنة، كما يأتي في ترجمته, فلذلك قال بحرمة الخيل على ما في المختصر، لكن خالف هذا الأصل فحرم ذا الناب من السباع, من أن ظاهر القرآن الإباحة، المسألة فيها نزاع كبير، انظر الزرقاني على الموطأ فقد حررها, والمشهور في المذهب هو كراهة الفرس والسباع فقط, لتعارض الأدلة على ماحرره الرهوني.
٣ الطرق الحكمية ص"٧٣" ط. العلمية بالمدينة المنورة سنة ١٣٩١هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>