هي من جملة ما دخل في الاستدلال بل في الاستحسان منه، وتقدَّمَ تعريف المصلحلة في أصل القياس وأسرار التشريع، والمراد هنا مصلحة لم يشهد الشرع باعتبارها ولا إلغائها, وتقدَّمَ أنها أقسام ثلاثة: ضرورية، وحاجية، وتحسينة، والمراد هنا ما كان واقعًا في رتبة الضرورة, وهو المحافظة على الدين أو النفس أو العقل أو النسب أو المال أو العرض؛ لأن ما دون ذلك كله من الحاجيات أو التحسينات. وكل ما كان منها فلا يجوز الحكم بمجرده إن لم يعتضد بشهادة أصل إلا أن يجري مجرى الضرورات, فلا يبعد أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد وإن لم يشهد الشرع فهو كالاستحسان، أما إن اعتضد بأصل فهو قياس, ثم إن ما كان في رتبة الضرورات فلا يبعد أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد، وإن لم يشهد الشرع معين.
ومثاله: إن الكفار إذا تترَّسُرا بالأسرى المسلمين، وكان بحيث لو كفننا عنهم لغلبونا على دار الإسلام وقتلوا أهل القطر الإسلامي أو الجيش الذي هو الساعد المدافع, ويقتلون الأسرى أيضًا, ولو رميناهم لقتلنا الأسرى الذين لم يذنبوا, وهم معصوموا الدم, ولا دليل في الشرع يبيحه, فيجوز أن يقول قائل: الأسرى مقتولون على كل حال, فحفظ أهل القطر أقرب إلى مقصود الشرع؛ لأنا نعلم قطعًا أن قصده تقليل القتل, كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان، وحيث لم نقدر على الحسم فقد قدرنا على التقليل, فهي مصلحة عُلِمَ بالضرورة أنها مقصود الشرع لا بأصل واحد معين، بل بأدلة خارجة عن الحصر, مع أن تحصيلها بهذه الطريق وهو قتل من لم يذنب غريب لم يشهد له أصل معين، لكنها توفرت فيها شروط: ضرورية، وقطعية، وكلية لأهل القطر كله بها قطعًا كما في جمع الجوامع.
فلو تترَّسُوا في قلعة فلا يجوز الرمي إذ ليس من الضروري فتح قلعة, وأيضًا