للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس حصول المصلحة فيها قطعيًّا، وكذلك جماعة في سفينة لو رمو ثلثهم لنجوا وإلا غرقوا كلهم، فهذه ليست كلية لانحصار عددهم، وليس كاستيصال كافة القطر, ولعدم تعين الثلث بعينة, بل على الشياع إلا بالقرعة, ولا أصل لها هنا فصبرهم واجب، وأما ما نقله إمام الحرمين عن مالك من أنه يجيز قتل الثلث من الأمة لاستصلاح الثلثين فقد أنكر نسبته إلى الإمام, كما في حواشي البناني على الزرقاني، وفي المصالح المرسلة نزاع كبير, نسبوا إلى مالك أنها من أصول مذهبه, والجمهور على خلافه، وقال الزركشي١: إن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك، قال الخوارزمي٢: هي المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد على الخلق.

ويشترط رابعًا أن يعلم كونها مقصوة للشرع بالكتاب أو السنة أو الإجماع, إلّا أنها لم يشهدلها أصل معين باعتبار, وإنما يعلم كونها مقصودة لا بدليل واحد بل بمجموع أدلة وقرائن أحوال وأمارات متفرقة، ومن أجل ذلك تسمَّى مصلحة مرسلة، ولا خلاف في اتباعها إلّا عندما تعارضها مصلحة أخرى، وعند ذلك يأتي الخلاف في ترجيح إحدى المصلحتين نظير ما تقدَّم في الاستحسان.

قال ابن دقيق العيد٣: الذي لا يشك فيه أن لمالك ترجيحًا على غيره من الفقهاء في هذا النوع, ويليه ابن حنبل, ولا يكاد يخلو غيرهما من اعتباره في الجملة, ولا أنكر على من اعتبر أصل المصالح المرسلة, لكن تحقيقها محتاج إلى نظر سديد, والاسترسال فيه ربما يخرج عن الحد، وقد نسبوا إلى سيدنا عمر -رضي الله عنه- أنه قطع لسان الحطيئة بسب الهجو, فإن صح ذلك فإنه من باب العزم على المصالح المرسلة, وحمله على التهديد الرادع للمصلحة أولى من حمله على حقيقة القطع للمصلحة، وهذا يجر إلى النظر فيما يسمَّى مصلحة مرسلة، قال: وشاورني بعض القضاة في قطع أنملة شاهد, والغرض منعه عن الكتابة بسبب قطعها، وكل هذا منكرات عظيمة الموقع في الدين, واسترسال قبيح في أذى المسلمين.


١ سبقت ترجمته.
٢ لعله أبو محمد منصور بن أحمد القاءاني الخوارزمي، ت سنة ٧٧٥، تاج التراجم لابن قطلوبقا ص٢٣٧، الأعلام "٨/ ٢٣٤".
٣ تقي الدين محمد بن علي بن وهب, المعروف بابن دقيق العيد، ت سنة ٧٠٢ هـ "الدرر الكامنة" "٤/ ٢١٠", "طبقات الشافعية للسبكي" "٩/ ٢٠٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>