هل يجوز له أن يحكم أو يفتي بمذهب غيره إذا شرط عليه ذلك في عقد التولية:
الجواب: نعم على قول قوي، فإن قلت: إذا أدرك الإنسان رتبة الاجتهاد، وتبين له الدليل، فكيف يفتي بالتقليد؟ قلت: نعم يفتي به وفاء بشرط التولية لأن السلطان ما نصه إلا ليفتي أو يقضي بمذهب معين، وقد كان في الأندلس وأفريقيا علماء يفعلون ذلك، فإن المازري كان بالمرتبة العليا من الاجتهاد المذهبي، وطال عمره خمسا وثمانين سنة، وقال: لست أحمل الناس إلا على المشهور المعروف من مذهب مالك وأصحابه؛ لأن الورع قد قل، والتحفظ على الديانات كذلك، وكثرت الشهوات، وكثر من يدعي العلم، ويتجاسر على الفتيا، ولو فتح لهم باب مخالفة المذاهب، لاتسع الخرق على الراقع وهتكوا حجاب هيبة المذهب، وهو من المفسدات التي لا خفاء بها. انظر "الموافقات" وهو مبني على سد الذرائع والمصالح المرسلة وكل ذلك من أصل مالك وتقدم لنا أن أحمد بن ميسر كان يخير المستفتي فيقول: مذهب أهل بلدنا كذا، ومذهبي كذا وكذا، ومذهبي كذا وكذا، وكان منذر بن سعيد البلوطي قاضي القضاة بقرطبة أيام الحكم المستنصر ظاهري المذهب، ولكن لا يقضي ولا يفتي إلا بمشهور مذهب مالك حسب الشرط الذي يشترطه الإمام في منشوره الذي يولي به القاضي بالأندلس، نص على ذلك في القسم الأول من "نفح الطيب" وأمثاله كثير. وقال القفال: لو أدى اجتهادي إلى مذهب أبي حنيفة، لقلت: مذهب الشافعي كذا، لكني أقول بقول أبي حنيفة؛ لأن السائل إنما