للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قواعد مذهب مالك]

مبدأ مالك في الفقه هو مبدأ أهل الحجاز الذي أسسه سعيد بن المسيبوسبق بيانه في ترجمته، وفي الديباج في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي قال ابن المديني١: كان مالك يذهب إلى قول سليمان بن يسار, وسليمان بن يسار يذهب إلى قول عمر بن الخطاب.

وفي الديباج نقلًا عن عياض في مداركه ما نصُّه: إن ترتيب الاجتهاد على ما يوجب العقل، ويشهد له الشرع: تقديم كتاب الله -عز وجل- على ترتيب أدلته في الوضوح من تقديم نصوصه, ثم ظواهره, ثم مفهوماته، ثم كذلك السنة على ترتيب متواترها ومشهورها وآحادها, ثم ترتيب نصوصها وظواهرها ومفهوماتها، ثم الإجماع عند عدم الكتاب ومتواتر السنة، وعند عدم هذه الأصول كلها القياس عليها والاستنباط منها؛ إذ كتاب الله مقطوع به، وكذلك متواتر السنة، وكذلك النص مقطوع به، فوجب تقديم ذلك كله، ثم الظواهر, ثم المفهوم، لدخول الاحتمال في معناها، ثم أخبار الآحاد عند عدم الكتاب والمتواتر منها, وهي مقدَّمة على القياس لإجماع الصحابة على الفصلين, وتركهم نظر أنفسهم متى بلغهم خبر الثقة, وامتثالهم مقتضاه دون خلاف منهم في ذلك، ثم القياس أحرى عند عدم الأصول على ما مضى عليه عمل الصحابة ومن بعدهم من السلف المرضيين -رضي الله عنهم, وأنت إذا نظرت لأول وهلة منازع هؤلاء الأئمة ومآخذهم في الفقه واجتهادهم في الشرع, وجدت مالكًا -رحمه الله- ناهجًا في هذه الأصول مناهجها, مرتِّبًا لها مراتبها ومداركها, مقدمًا كتاب الله -عز وجل- على الآثار, ثم مقدمًا لها على القياس والاعتبار, تاركًا منها ما لم يتحمله الثقات العارفون بما يحملونه أو يحملونه، أو ما وجد الجمهور والجمّ الغفير من أهل المدينة قد عملوا بغيره وخالفوه، ثم كان من وقوفه في المشكلات, وتحريه عن الكلام في المعوصات ما سلك به سبيل السلف الصالح، وكان يرجح الاتباع ويكره الابتداع، وتقدم لنا في مادة الفقه نقل قول ابن العربي في القرآن: هو الأصل. إلخ. فارجع إليه، وكلام ابن العربي كعياض يقتضي تقديم كلٍّ من الكتاب والسنة والإجماع عند التعارض، وتقدَّم لنا في ذلك من الخلاف، وقال أبو محمد صالح٢ عالم فاس الشهير فيما نقله عن الفقيه راشد ما نصه:


١ علي بن عبد الله.
٢ أبو محمد صالح الهسكوري الفاسي، ت سنة ٦٥٣، ترجم له المؤلف في أوائل القسم الرابع، والفقيه راشد هو، أبو الفضل راشد الوليدي، نيل الابتهاج "١١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>