إذا أمعنت النظر في تراجم هؤلاء الرجال، علمت صدق ما قلناه من دخول الفقه مدة القرنين الثالث والرابع في طور الكهولة، ولا سيما في الرابع وذلك لأمور.
أولها: شيوع التقليد بين العلماء حتى اضمحل الاجتهاد المطلق من الأمة شيئا فشيئا آخر القرن الثالث، ولم يبق في جل الرابع مجتهد مطلق كما تقدم في كلام النووي وإن ادعاه أحد، أنكر عليه، ونوزع فيه وتقدم بسط ذلك أول هذا القسم.
الثاني: ظهور فساد الأخلاق، وراجع نظم عظيم القسطنطينية في ترجمة الققال الشاشي من الشافعية يتبين لك ما ظهر إذ ذاك من التكالب على الدنيا بالرشا والزور وضياع الحقوق، بل كانوا يضمنون القضاء بمعنى أنهم يولونه من يضمن أن يدفع قدرا من المال كل سنة أو كل شهر كما فعلوا في بقية الولايات، وأول من ضمن القضاء ٤٩٧- عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب: سنة ٣٥٠ أيام معز الدولة بن بويه سماه قاضي القضاة في بغداد على أن يؤدي مائتي ألف درهم كل سنة، ثم صار ذلك أمرا مألوفا، كما صاروا يضمنون الحسبة والشرطة، فمن هناك ابتدأ خراب الفقه، بل الإسلام، وفساد