اعلم أن الأمة لها قولان قيل: إن كل مصيب في الفروع التي لا قاطع فيها، وهو قول ضعيف المدرك كما هو مبين في الأصول، وعليه فكل المجتهدين على هدى من ربهم، والقول الثاني: أن المصيب واحد، قال الشيخ أحمد بن مبارك اللمطي: قد اتفق أصحاب هذا القول على أنه غير معين، فما قاله السبكي في "الطبقات" من أن المصيب هو الشافعي مستدلا بدلائل لا تفيده ليس بصواب، بل مخالف للإجماع المنعقد على أن الصواب إما مع الكل، أو مع واحد بعينه.
نعم لكل أهل مذهب أن يرجحوا بما ينقدح في فكرهم من الدلائل، لكن لا يجزمون، ولا يخطئون غيرهم.
وأما عياض في "المدارك" فإنه ذهب في الترجيح لمذهب مالك بالوجوه التي بينها دون الجزم بصوابيه واحد، وتخطئة سواه، فهو خرق للإجماع بل ومخالف للمعقول؛ لأنه في المعنى كالوصف بالعصمة لشخص هو نفسه اعتراف بالخطأ في مسائل، فإن الشافعي له القول القديم الجديد، فأيهما أحق بالصواب. هذا مما لا معنى له على أن ترجيح إمام على إمام بحث فيه في "إعلام الموقعين" قائلا: إن هؤلاء الذين يرجحون مقلدون لا خبرة لهم بالأدلة، فكيف يتوصلون لمعرفة الراجح، ولو كانوا مجتهدين، ما ساغ لهم التقليد الذي يوجب عليهم الترجيح. وقد آل الأمر بأرباب المذاهب ذوي التعصب المذهبي إلى تنقيص الأئمة، وخرجوا من دائرة الترجيح إلى الهمز واللمز، وذلك كله تعصب ذميم، ولعل هذا هو سبب ما وقع للسبكي في جانب الإمام تقي الدين ابن تيمية الحنبلي حتى آل الأمر لتسجيله عليه بالكفر وسجنه حتى مات سجينا، كل ذلك سببه التعصب المذهبي مع أن كلا منهما إمام من أئمة المسلمين.