للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتهاد عليٍّ -رضي الله عنه ١:

تقدَّمت لنا بعض أحكام وفتاو وقعت منه في الزمن النبوي واستصوبها عليه السلام, وكفى دليلًا على موفقيته في الاجتهاد, شهادته له عليه السلام بقوله: "أقضاكم عليّ" ١، ومن قضاياه الشهيرة عند الفقهاء ذكرها الزرقاني في الفرائض في الفريضة المنبرية أنه كان على المنبر يخطب وهو ييقول: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعًا، ويجزي كل نفس بما تسعى، وإليه المعاد والرجعى.

فوقف سائل وقال: زوجة وأبوان وابنتان, كيف نقسم التركة؟ فأجاب على البديهة: صار ثمنها تسعًا، في محفله العظيم من غير تأمل ولا تردد, ثم استرسل في خطابه. وقضاياه كثيرة, وكم من قضية ردَّ فيها على عمر بن الخطاب فيرجع لرأيه إنصافًا ووقوفًا مع الحق, وبعض ذلك مذكرو في كتاب "الطرق الحكمية" لابن القيم فانظره، ومنها قضية المجنونة التي أمر عمر برجمها لأنها وضعت لستة أشهر, فردَّ عليه عليٌّ وقال: إن الله يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} ٢ وقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} ٣ فيؤخذ منها معًا أن أقلَّ الحمل ستة أشهر, وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون. فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر, وأصلها في الصحيح، فهو أول من تفطّن لدلالة الاقتران وهو الجمع بين الدليلين واستخراج مدلولٍ من مجموعهما لا يدل عليه الواحد منهما بانفراده، ولذا كان لا يمضي أمرًا في المسائل ذات الشأن إلّا بعد مشاورته لما هو معروف من باعه وغزارة علمه.

ومن اجتهاده ما رواه حمَّاد بن سلمة عن حميد بن الحسن أن رجلًا تزوج امرأة وأراد سفرًا, فأخذه أهل امرأته فجعلها طالقًا إن لم يبعث نفقتها إلى شهر، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء، فلمَّا قدم خاصموه إلى عليّ فقال: اضطهدتموه حتى جعلها طالقًا, فردَّها عليه٤. فظاهر الأثر أنه كان يحكم


١ كان ينبغي تقديم اجتهاد عثمان -رضي الله عنه- لسلك الجادة.
٢ سبق تخريجه.
٣ الأحقاف: ١٥.
٣ البقرة: ٢٣٣، وقضية المجنونة أخرجها البخاري تعليقًا "٨/ ٨٥٢", ومالك من بلاغاته في الموطأ "٢/ ٨٢٥".
٤ انظر أعلام الموقعين "٤/ ٩٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>