للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحويل القبلة]

في الثانية في رجب حولت القبلة التي كانوا يستقبلونها في صلاتهم وهي بيت المقدس, إلى الكعبة المشرفة بمكة, التي هي أول بيت وضع للناس, الذي أسسه إبراهيم وإسماعيل جد العرب {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ١، وقال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} ٢, لذلك كانت قبل الإسلام مركز الوحدة العربية وصيَّرها الإسلام بهذا التوجه وحدة إسلامية, وفي ذلك تنويه وتشريف للعرب أيضًا, وتشويق لاستنقاذ مكة التي كانت تحت سيطرة الوثنيين, وتطهير كعبة الله التي أمروا أن يستقبلوها وهي مملوءة بثلاثمائة وستين صنمًا، وفي ذلك نزلت آيات منها قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ٣، لما كانوا بمكة كانوا يصلون لبيت المقدس جاعلين الكعبة بينهم وبينه, ولما انتقلوا للمدينة تمحضت جهة بيت المقدس؛ إذ لا يمكن بالمدينة استقبال الجهتين، فكان في ذلك تأليف لليهود باستقبال قبلتهم، لكن اليهود حصل اليأس من إيمانهم، ثم كان تحويل القبلة تدريجيًّا, فقد نزل قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ٤ ثم نسخ بالآية السابقة، وقد قصَّ الله اعتراض اليهود على تحويل القبلة وما أجابهم به, كما هو معلوم في نص القرآن.

ومن الضروري البديهي أن الكعبة إنما هي جهة التوجيه بالقلب هو لله وحده، ولذلك لم يضر التوجه إليه مع ما كان فيها من الأصنام، ومن توجُّه للكعبة نفسها وعبدها فهو وثني كافر، ومن هذا المعنى تفهم معنى تقبيل الحجر الأسود الذي هو أثر خالد من آثار ما أنزل آدم معه من الجنة, فليس المراد بها طلب نفع ولا التماس خير, وإنما هو احترام لما احترمه الشرع، فالمسلم لا يلتجيء في جلب نفع أو دفع ضر إلّا لمولاه الذي خلقه وحده, وإلا لم يكن موحدًا.


١ البقرة: ١٢٧.
٢ المائدة: ٩٧.
٣ البقرة: ١٤٤.
٤ البقرة: ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>