للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستدلال في زمنه -عليه السلام:

تقدَّمَ أن الاستدال هو ما ليس بنصٍّ أو إجماع ولا قياس, وله أنواع خمسة:

التلازم بين حكمين:

هو نوعة الأول, وهو راجع في الحقيقة إلى الاستدلال بالأقيسة المنطقية الاقترانية والاستثنائية, ولا شك أن هذه المصطلحات لم تكن موجودة في العصر النبوي بهذه الكيفية الموجودة عند المناطقة، وإنما حدثت عند المسلمين بعد ما ترجموا كتب اليونان، لكنها أمور عقلية, معانيها مرتكزة في العقول السليمة, وإن لم يعبر عنها بالعبارات المصطلح عليها، وقد اختلفوا: هل الأشكال الأربعة عند المناطقة موجودة في القرآن أم لا؟ ومن أثبتها استدل بقصة إبراهيم -عليه السلام- في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} ١ الآية.

واستدل أيضًا بقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ٢, وبقوله تعالى: {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} ٣ الآية. إلى غير ذلك.

أما في الفقهيات فمدار احتجاج الصحابة وأهل الصدر الأول الذين لم تكن لديهم هذه المصطلحات على انبلاج الحجة وثلج الضمير, أو ظهور الأمارات على الحكم بوجود ما جعل علامة عليه، ولذلك لا يجد الباحث في استدلالهم تصريحًا بكونهم احتجوا بالشكل الأول أو الثاني مثلًا. نعم من شاء أن يستخرج ذلك بنوع تكلف فليس ببعيد الوجود، ويمكن أن يخرج على ذلك حديث الصحيح "ما أنهر الدم وذُكِرَ اسم لله عليه فكل ليس الظُّفر والسن, وسأحدثكم


١ الأنعام: ٧٦.
٢ الأنبياء: ٢٢.
٣ الأنعام: ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>