للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب انتشار مذهب الشافعي]

إذا تأمل المتأمِّلُ في تاريخ حياة الشافعي وعمله في الفقه وفلسفة فكره, وجده صادف معركة هائلة واقعة بين العراق والحجاز في مسألة تقديم الرأي على السنة أو العكس، ووجد مذهب الحنفية آخذًا في الظهور بالعراق وما وراءه, وفي عاصمة الإسلام العظمى بغداد، وخلفاؤها وعلماؤها وقضاتها وولاتها يدينون به، وقاضي القضاة لهم أبو يوسف, ومن بعده يدين به وينشره, ولا يولي قاضيًا إلّا إذا كان آخذًا به من خراسان إلى إفريقية.

ووجد مذهب مالك وأنصار الحديث آخذًا في مزاحمته, متغلبًا مع ظهور الدولة الأموية بالأندلس وما قرب منها, ولا يُولَّى قاضٍ هناك إلّا بإشارة يحيى بن يحيى الليثي الذي كان رأس علماء الأندلس، وقاضي القيروان أسد بن الفرات كذلك ينشره، وأحمد بن المعذل١ وأصحابه ينشرونه في العراق وما رواءه.

في حال أن معركة أخرى هائلة قائمة بين المحدِّثين وبين كل من المذهبين, يعيبون مذهب الحنفية بترك كثير من الأحاديث التي هي في نظر المحدثين يجب العمل بها ولا يحل تركها بالرأي.

والمالكية في تركهم بعض الأحاديث الصحيحة لعمل أهل المدينة، كما عاب هو العمل بالمرسل إذ تبيَّن من الفحص أن بعض المراسيل لم تصح؛ لأن مالكًا بنى مذهبه في الاحتجاج بالمرسل كالحنفية على حسن الظن بالتابعين, وأنهم لا يقولون: قال رسول الله إلّا إذا سمعوه من صحابي, والصحابة كلهم عدول، ثم تبيَّن أن بعض التابعين سمع بعض المراسل ممن دون الصحابي ممن هم مجروحون.

ووجد الشافعي لأئمة الحديث الظهور العظيم، كأحمد، وإسحاق٢، وابن المديني٣، وابن معين٤، وابن مهدي٥، ونظرائهم، جمعوا السنة المتفرقة في الأقطار, وأوعبوها جمعًا وحفظًا ونقدًا, ولم يقتصروا كمالك على


١ هو أحمد بن غيلان بن الحكم العبدي، الديباج المذهب "١/ ١٤١".
٢ ابن إبراهيم راهويه".
٣ علي بن عبد الله.
٤ يحيى.
٥ عبد الرحمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>