أولًا: بنزول نوازل لم تنزل في العهد النبوي, فأظهروا أحكامًا بالاستنباط, وذلك تابع لاتساع دائرة الإسلام, ودخول كثير من الأمم فيه, وابتداء عصر التمدُّن العربي, فكان الفقه تابعًا لذلك, فبذلك ابتدء التوسع في التفريع والاستباط.
ثانيًا: فروعهم التي فرَّعوها كانت أقل من فروع مَنْ بعدهم لزيادة توسع دائرة الأمة بعدهم، ثم لعدم فرضهم الصور العقلية كي يجتهدوا في استنباط أحكامها, وإ نما استنبطوا حكم ما ينزل من النوازل بالفعل, كما كان ذلك في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وكانوا يرون أن فرض الصور واستنباط أحكامها من التمحل في الدين وضياع الوقت النفيس.
ثالثًا: أن السياسة كانت تابعة للفقه، ولم يكن الفقه تابعًا للسياسة، كما وقع في الأزمان المتأخرة؛ لأن الأمة كانت شورية دستورية، فمهما نزلت نازلة فزعوا إلى الشورى, فلم تصدر الفتوى والحكم إلّا عن تبصر وحكمة، ولذلك قلَّّما يبقى الخلاف.
بخلاف الزمن النبوي الذي كان الخلاف فيه معدومًا، وبخلاف عصر مَنْ بعدهم الذي كثر فيه الخلاف لانعدام الشورى في غالبه، فمجلس أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ كان مجلس تشريع وفقه واستنباط ومشاورة، وخصوصًا الأولان منهم.
رابعًا: كان الفقه في زمن الخلفاء هو دستور الأمة، وللأمة نهاية ما يكون من السيطرة على مراقبة أتباعه وتنفيذ نصوصه, فكان للفقه والفقهاء من السيطرة ما ليس للحقوقيين الآن عند الأمم الراقية كما سبق.
خامسًا: وقوع الإجماع واتفاق الآراء في عصرهم غالبًا للأسباب التي