للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدمنا وأهمها الشورى.

ولهذا قال أحمد وغيره من العلماء بتعذّر الإجماع بعدهم, لافتراق الأهواء بالشيعة والخارجية وفرقهما، ثم بتفرق العلماء والصحابة في الأقطار الشاسعة، فصار الخلاف إذا وقع بعدهم استحكم ولا يزول، لانبنائه غالبًا على سياسة قطر أو عادته, أو مبدأ من مبادئ الفرق وأحوال السياسة، فكل فريق يتعصب لنظريته، وقلَّما يتنازل عنها، فلا تجتمع الكلمة ولا يزول الخلاف؛ إذ ليس المقصود تبين الحق وإظهار حكم الله في مسألة, ولكن هي السياسة, يريدون تطبيق الفقه والدين عليها, وتحوير الفقه لأجلها لا تطبيقها وتحويرها على الفقه.

وذلك لم يكن منه شيء زمن الخلفاء الراشدين، بل كان الفقه أصلًا وحكمًا, والسياسة فرع ومحكومة له.

ومما زاد الدين صيانةً والفقه صراحةً زمن عمر, أنه كان منع المهاجرين وكبار الصحابة الخروج والانتشار في الأقطار التي فتحت، كما رواه الطبري عن الشعبي١، فما كان يسمع لهم في مفارقتهم المدينة إلّا برخصة منه مؤقتة لضرورة, فكانوا أهل شوراه، وبسبب ذلك قلَّ الخلاف وتيسَّر الإجماع في كثير من المسائل، أما عثمان فرخَّص لهم في الانتشار, وبه بدأ الخلاف والنزاع في الدين والسياسة معًا.

ولا ندَّعي أنه لم يقع خلاف زمن الخلافة, وإنما كان قليلًا:

فقد خالف عمر أبا بكر في أشياء، كاسترقاق أهل الردة, فإن أبا بكر استرقَّهم, أما عمر فإنه رأى خلاف ذلك، وبلغ خلافه إلى أن ردَّهن حرائر إلى أهلهن إلّا ما ولدت لسيدها منهن نقض حكم أبي بكر في ذلك، ومن جملتهن خولة الحنفية, أم محمد بن علي, الذي يقال له محمد بن الحنفية.

وخالفه في أرض العنوة؛ إذ قسمها أبو بكر ووقفها عمر، وفي العطاء كان أبو بكر يقسمه سوية, وفاضل فيه عمر على حسب السابقية.

وقد استخلف أبو بكر عمر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستخلف, وفي الأمر سعة،


١ تاريخ الطبري "٤/ ٣٩٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>