للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلاط اللغة ومصيرها وتأثيره على الفقه, وشيء من تاريخ مشاهير علمائها:

[ترجمة أبي الأسود الديلي]

اعلم أن اختلاط العربية بلغات الأعاجم الداخلين في حظيرة الدين الإسلامي كان في هذه الأعصر من أقوى الأسباب الداعية التي تغيُّر حال الفقه وصعوبته ثم انحطاطه, ففي زمن خلافة علي -كرم الله وجهه- في الكوفة كثر ذلك, وشاع اللحن في اللغة فجاءه:

قاضي البصرة أبو الأسود الديلي التابعي الكوفي ١:

الشهير المتوفى سنة "٦٩" تسع وستين, وقال له: إن لغتنا فسدت, فإني دخلت على ابنتي فقالت: ما أشدُّ الحرِّ٣, فضع لنا ما نحفظ به لغتنا، ففكَّر مليًّا ثم قال له: الكلام اسم وفعل وحرف، انح على هذا النحو، فصار أبو الأسود يضع القواعد لتلاميذه مثل يحيى بن يعمر التابعي الشهير المتوفى سنة "١٢٩" تسع وعشرين ومائة٢، وغيره, وهم يأخذونها، وزادوا عليها بعده, فصار علم النحو يكمل شيئًا فشيئًا، فلم يكن أبو الأسود يتقن كل أبواب النحو, ولا تكلَّم إلّا في بعضها.

قال في بغية الوعاة: مات الكسائي وهو لا يحسن حدَّ نعم وبئس, وإن المفتوحة والحكاية، ولم يكن الخليل يحسن النداء، ولا سيبويه يدري حدّ التعجب، وهكذا كل العلوم تتدرج في ترقيها ثم تتدحرج، ففي أواسط القرن الأول بدأ علم النحو واللغة في الظهور في العربية من التأخر, ثم زاد وشاع في أول القرن الثاني حيث زمن


١ أبو الأسود الديلي التابعي الكوفي, قاضي البصرة: طبقات ابن سعد "٧/ ٩٩"، ونزهة الألباء "٦"، ومسبح الأعشى "٣/ ١٦١"، وتهذيب التهذيب "١٢/ ١٠"، وبغية الوعاة "٢/ ٢٢".
٢ قال المؤلف -رحمه الله: بضم الدال من أشد وجر الراء من الحر, وكان حقها أن يفتح الجميع.
٣ يحيى بن يعمر: طبقات ابن سعد "٧/ ٣٦٧"، ونزهة الألباء "١٦"، وتهذيب التهذيب "١١/ ٣٠٥"، وبغية الوعاة "٢/ ٣٤٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>