لقي مذهبه صدمتين عظيمتين من فئتين عظيمتين، هما جمهور علماء الإسلام في القرن الثاني، وهما المحدثون والمتكلمون من أهل السنة، شنّوا عليه غارة شعواء، فأهل الحديث يرون أن السنة أصل مكين في التشريع, مكمل للقرآن من غير أن ننظر إلى علل الأحكام, فنقيس عليها ولا إلى أصول عامة فنستحسن، ومن المحدِّثين نشأ أهل الظاهر الجامدون على نصوص الشرع بالحرف, غير ناظرين إلى مقاصدها وعللها, فإذا لم يجدوا نصًّا قالوا: لا ندري, وأحجموا عن الفتوى زاعمين أن مذهب الكوفيين فلسفة فارسية صيّرت الفقه الذي هو شرع وتعبُّد عمليًّا وضعيًّا من أوضاع البشر.
وقالوا: إننا إذا نظرنا إلى المعنى أو العلل صرنا مُشرِّعين بفكرنا, لا ممتثلين متعبدين, ولزم انحلال الشريعة وعدم الوقوف عند حدها، مع أنَّا نرى القوانين البشرية لا يتجاسر عليها, بل يوقف عند حد منطوقها ومفهومها، فكيف بما هو شرع إلهي.
ولولا الوقوف عند نصوص الشرائع ما انضبط حكم, بل كان ذريعة للحكم بالهوى, فكل من كان له غرض وكان له فضل بيان ونظر, أمكنه أن يدَّعي القياس والعلل, ويعجز من لم يكن ذا قدرة على البيان عن الحجة، ولذا قال عليه السلام: