للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عمل أهل المدينة]

هو من أصول مذهب مالك كما سبق، وعمل أهل المدينة إذا جرى في المسألة واتفق عليه علماؤها. يقول مالك بحجيته وتقديمه على القياس, بل الحديث الصحيح، بل عمل جمهورهم يحتج به ويقدّمه على خبر, ويقدمه على خبر الواحد؛ لأنه عنده أقوى منه؛ إذ عملهم بمنزلة روايتهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم, ورواية جماعة من جماعة أولى بالتقديم من رواية فرد عن فرد، قال ربيعة١: رواية ألف خير من رواية واحد. وأهل المدينة أدرى بالسنة والناسخ والمنسوخ, فمخالفتهم لخبر الواحد دليل نسخه، وقد نقل مالك إجماع أهل المدينة في موطئه على نيف وأربعين مسألة، ثم عملهم ثلاثة أنواع:

أحداها: أن يجمعوا على أمر, ثم لا يخالفهم فيه غيرهم.

الثاني: أن يجمعوا على أمر, ولكن يوجد لهم مخالف من غيرهم، وعن هذين القسمين يعبر مالك بقوله٢: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا.

الثالث: ما فيه الخلاف بين أهل المدينة أنفسهم.

أما الأول: فهو حجة عند الجميع يجب اتباعه, وممن صرح بذلك ابن القيم وهو من الحنابلة الذين لا يسلمون الإجماع إلّا في قليل من المسائل.

أما الثاني والثالث: فمحل نزاع بين المالكية وغيرهم، على أن الذي هو حجة عندهم بلا خلاف هو عمل أهل المدينة النقلي لا الاجتهادي؛ فالنقلي كنقلهم تعيين محل منبره وقبره, ومحل وقوفه للصلاة -عليه السلام، ونقلهم للأعيان كمقدار المد والصاع وأوقية الفضة, وهذا حجة عند الجميع، وقد احتد به مالك على أبي يوسف بحضرة الرشيد, فرجع عمَّا كان يقوله إلى قول مالك، ومن هذا النوع نقلهم الأذان للصبح قبل الفجر، وتثنية الأذان، وإفراد الإقامة، وهذا


١ ابن أبي عبد الرحمن المشهور بربيعة الرأي.
٢ أي: في الموطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>