للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التابعون الذين اشتهروا بالفتوى أيام الخلفاء الراشدين وقريبا من ذلك]

[ترجمة القاضي]

...

التابعون الذين اشتهروا بالفتوى أيام الخلفاء الراشدين وقريبًا من ذلك:

شريح القاضي:

منهم:

أبو أمية شريح بن الحارث الكندي ١:

مخضرم، استقصاه عمر على الكوفة، ثم عليّ من بعده، ولم يزل قاضيًا حتى زمن الحجاج مدة ستين سنة، وقال ابن خلكان: مدة خمس وسبعين, لم يتعطّل فيها سوى ثلاث سنين, امتنع فيها من الحكم في فتنة ابن الزبير, ثم استعفى الحجاج فأعفاه, ولم يقض بين اثنين إلى أن مات, وهذه مدة طويلة في الحكم لم يكن مثلها لقاضٍ بعده.

كان من جلة العلماء وأذكى العالم، سبب تولية عمر إياه أن عمر اشترى فرسًا من رجل على سوم فعطب, فخاصمه الرجل, فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلًا, فقال الرجل: إني أرضى شريحًا العراقي. فقال شريح: أخذته صحيحًا سليمًا فأنت له ضامن حتى ترده صحيحًا سليمًا, فأعجبه حكمه فوجَّهه قاضيًا وأوصاه قائلًا: ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه, فإن لم يستبن لك في كتاب الله فمن السنة, فإن لم تجده في السنة فاجتهد رأيك.

قال الشعبي: كان أعلم الناس بالقضاء، وكان أيضًا شاعرًا فصيحًا، وتقدَّم بعض ما كتب به عمر إليه٢، كان يناظر الصحابة, وقد رجع عليّ إلى رأيه في بعض المسائل، وحكم يومًا بميراث أم الوليد لوالده مستدلًا بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} ٣, فكتب إليه ابن الزبير وهو يرد عليه ويأمره يجعل الميراث لمولاها, فلم يرجع عن قضائه وقال: أعتقها جنين بطنها. رواه الطبري في آخر الأنفال من تفسيره.

ونزاهته وفضله شهير، توفي سنة "٨٠" ثمانين, وقيل: سنة "٨٧" سبع وثمانين، عن مائة سنة، وقيل غير ذلك٤.


١ قال المؤلف -رحمه الله: الكندي: بكسر الكاف وسكون النون نسبة إلى كندة, قبيلة من قحطان.
٢ في ترجمة عمر.
٣ الأنفال: ٧٥.
٤ أبو أمية شريح بن الحرث الكندي: القاضي الكندي: دائرة الأعلمي "٢٠/ ٤٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>