للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجتهد، شروطه، أقسامه:

هو البالغ الذكي النفس، ذو الملكة التي بها يدرك العلوم، العرف بالدليل العقلي الذي هو البراة الأصلية، وبالتكليف به في الحجية، ذو الدرجة الوسطى لغة وعربية وأصولا وبلاغة، ومتعلق الأحكام من كتاب وسنة: أي١: المتوسط في هذه العلوم بحيث يميز العبارة الصحيحة من الفاسدة، والراجحة من الموجوحة، ليتأتى له الاستنباط المقصود من الاجتهاد، وإن لم يحفظ متون آيات الأحكام وأحاديثها، وقد مات أبو بكر وعمر، وهما لم يتما حفظ القرآن، واختلفت الرواية عن علي هل حفظه أم لا؟ وتوقفوا في كثير من الأحكام حتى روى لهم غيرهم الحديث، فعملوا به.

أما علمه بآيات الأحكام وأحاديثها أي مواقعها وإن لم يحفظها، فلأنها المستنبط منه، وأما علمه بأصول الفقه، فلأنه به يعرف كيفية الاستنباط وغيرها مما يحتاج إليه، وأما علمه بباقي العلوم فلأنه لا يفهم المراد من المستنبط منه إلا به؛ لأنه عربي بليغ، ولم يكن هذا مشترطا في الصدر الأول؛ لأنهم كانوا عارفين بالعربية الفصحى البليغة بسليقتهم، ولما فسدت الألسنة، تعين تعلم تلك العلوم على مريد الاجتهاد؛ إذ لا توصل إلا بها.


١ ذكره من الاكتفاء بالتوسط في هذه العلوم هو الصواب خلاف ما وقع لأبي إسحاق الشاطبي في عدد ٥٣ من جـ٤ من "الموافقات" من اشتراط بلوغ النهاية في العربية ليكون فهمه حجة، فإنه مقابل، وقد كان مالك وأبو حنيفة من أهل الاجتهاد بإجماع من يعتد به، وقد تكلموا فيهما من جهة العربية، ولم يحيطا علما بالنحو والصرف، وإنما كان عندهما ما يوصلهما لفهم أدلة فهما يوثق به وراجع ما العلماء في ترجمتيهما، ويأتي في مواد الاجتهاد عن ابن عرفة حكاية الإجماع أنه لا تشترط بلوغ درجة الإمامة في العلوم المذكورة. ا. هـ. مؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>