قال الباجي عن بعض أهل زمانه: إنه كان يقول: إن الذي علي لصديقي إذا وقعت له حكومة أو فتيا أن أفتيه بالرواية التي توافقه، وأخبرني من أثق به أنه وقعت له واقعة، فأفتاه جماعة من المفتين بما يضره وكان غائبا، فلما حضر، قالوا: لم نعلم أنها لك، وأفتوه بالرواية الأخرى، قال: وهذا مما لا خلاف بين المسلمين المعتد بهم في الإجماع أنه لا يجوز. وراجع ما تقدم في ترجمة القفال الشاشي وغيره.
إلى هذا وصلت الفتوى في زمن الباجي، ولولا الحياء يمنعني، لقصصت عليك ما عاينته حال هذا الوظيف في الجيل الذي أدركته، وكل من طالع حال المتقدمين استحيا أن ينتسب لهذا الجيل الذي ابتلينا به، وإياك أن تكون كما قال:
يمدون للإفتاء باعا قصيرة ... وأكثرهم عند الفتاوى يكذلك
والمكذلك: هو الذي يكتب تحت فتوى غيره: ما أفتى به المفتي أعلاه صحيح، وعليه يوافق عبد ربه فلان. وذلك لا يجوز تقليدا حتى ينظر في الفتوى، ويتحقق صوابها، ويعلم منزعها وأصلها، وإلا كان من الفتوى بغير علم، وقد حكى الشافعي وغيره الإجماع على حرمتها والله يقول:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ١.
قال ابن حزم: كان عندنا مفت قليل العلم، فكان لا يفتي حتى يتقدمه من يكتب الجواب، فيكتب تحته جوابا مثل جواب الشيخ، فقدر أن اختلف مفتيان في جواب، فكتب تحتهما، جوابي مثل جواب الشيخين، فقيل: إنهما قد