ورد علي من بعض العلماء القضاة بالمغرب ونصبه بعد الديباجة: وبعد فمن من الله علي إلهامي لمطالعة كتابكم "الفكر السامي" ولعمري إنه لموهبة من مواهب الله ومعجزة برزت في هذا الزمان الذي أعوز فيه العلم، ولشدة رغبتي في فهم معانيه، واستطلاعي على تحقيق مبانيه نحضر بعض المواد التي بيدي، ولها إلمام بذلك الموضوع، وقد وصلت لنهاية الصفحة ٢١ من الجزء الأول في مبحث الاستدلال المستدرك على الإمام ابن رشد حيث اقتصر في مقدماته على مدارك أربعة لأحكام شرائع الدين، ولما كرعت في معمع النوع الثامن من الأنواع الاستدلال الذي هو انتفاء مدرك الحكم الواقع للإمام ابن السبكي فيه قلب عبارة وجدت سيادتك قررت المسألة على ما ينبغي، وأتيت بما فيها للأقل وللأكثر، ونصرت الأول بما هو أجدر ثم أدرجت في هذا النوع مسألة عدم مطالبة النافي بالدليل إن ادعى علما ضروريا، وجعلتها بصورة الاستدلال لمسألة انتفاء مدرك الحكم، فكل فكري عن فهم ذلك، وحيل بيني وبين إدراكه إذ غاية ما بلغ إليه فهم العبد القصير الباع أنهما مسألتان، محصول الأولى أن المجتهد بذل وسعه بالسبر أو الأصل، فلم يجد دليلا وعدم وجدانه المظنون به انتفاؤه دليل على انتفاء الحكم على ما للأقل، فبقيت البراءة الأصلية مثلا الخصم قال: الوتر واجب، والمعارض قال: الوجوب أحد متعلقات الأحكام، والحكم يستدعي دليلا ولا دليل على حكمك بشاهد السبر أو الأصل، فالنافي هنا لم يدع علما ضروريا، فلذلك احتج بالسبر أو الأصل وعدم وصوله للدليل بواسطة السبر أو الأصل حصل ظن الانتفاء لا غير، ومحصول الثانية أن النافي للشيء إذا ادعى علما ضروريا بانتفائه لا يطالب بالدليل على انتفائه سيما وقد قال الشهاب: الضروري هو الحاصل من غير نظر واستدلال فقوله: من غير نظر واستدلال ينبئ إلى أن هذا