الخلفاء كان أمرهم شورى بينهم كما أمر الله في القرآن, وكان نظامهم دستوريًّا، ودستورهم الأساسي هو الفقه، فكان الفقه مدار سياستهم وروح حياتهم وبه تدبير ملكهم، وبصيانة الحقوق والوقوف عند حد الشريعة كانت حركة الإسلام سريعة حتى عمَّ لمشارق والمغارب كما سبق.
فكان الفقه زمن الخلافة أعظم مكانة مما هو عليه الحقوق عند الأمم المتمدنة الآن، كان الفقهاء هم أصحاب الشورى، وبيدهم التدبير وزمام كل أمر، ولا يصدر أمر قليل أو جليل إلّا بوفق الشريعة وعلى مقتضى الحق الذي لا مرية فيه، وللأمة منتهى ما يتصور من السيطرة والرقابة على متابعة الخلفاء لنصوص الشريعة وإشارة الفقهاء، وتحري اتباع الحق والواضح، والمحجبة البيضاء، ولم يثبت في تاريخ عربي ولا أجنبي انتفاد منتقد لهم بظلم أو سوء تصرف، بل اعترف الكل بأن عدلهم وحسن سلوكهم وصراحة طريقتهم هي التي أقادت لهم نواصي الأمم حتى ثُلَّت عروش ملوكها وخُرِّبَت دور دولها، لتبنى بها عظمة الإسلام، المتعشقين لعدله ونزاهة حكامه وخلفائه وعفتهم ورفقهم وتمشيهم خلف أوامر شرعهم لا يعدونه، وكانت نصوص الشريعة غضَّة طرية لم يدخلها كثرة التأويلات وتمحلات الفهوم المتكلفة.
كما أن حالة الإسلام الاجتماعية زمن الخلفاء لم يدخلها رفه كبير ولا ميل إلى الشمم والبذخ والملاذ والسفاسف التي ينشأ عنها تشغيب الأحكام وكثرة النوازل التي هي منشوء التأويلات، ولا سيما في زمن الخلفاء الأربعة، وبالخصوص زمن الاثنين الأولين, فإن عمر لما استقضاه أبو بكر مكث سنة لم يحضره خصمان متداعيان.
ولما وفد ذو الكلاع أحد ملوك اليمن على أبي بكر بثياب فخرة وتاج وبرود