ومن أعجب ما لاحظته في هذا العصر وبعض الذي قبله أنهم اختلفوا في أشياء لا يتصور الاختلاف فيها إلا مع التعجب الشديد، كاختلافهم في ألفاظ الأذان والإقامة، التي تتكرر كل يوم خمس مرات، وفي مسح الرأس في الوضوء هل يتكرر أم لا؟ وهل يعمم أم لا؟ على كثرة مشاهدة من يتوضأ كل يوم، وهل تجب النية في الوضوء أم لا؟ وهل يعمم أم لا؟ على كثرة مشاهدة من يتوضأ كل يوم، وهل تجب النية في الوضوء أم لا؟ وهل يجهر بها أم لا؟ وهل يجب الدلك في الغسل أم لا؟ وهل تقبض الأيدي وترفع في الركوع والرفع منه أم لا؟ وهل تجب البسملة أو تكره في الصلاة ولو جهرية أم لا؟ وهل يقرأ المأموم أم لا، وهل يقول المصلي: السلام عليكم ورحمة الله مرتين أو السلام عليكم مرة واحدة؟ إلى غير هذا مما يتحير الفكر فيه هل كان القوم يحضرون المساجد والجماعات، ويأخذون الأعمال بالمشاهدات أم لا، هذا في الأمور التي تتكرر كل يوم.
ثم انظر اختلافهم في النقل حال خروج الإمام للجمعة وبعد صلاتها، وفي كيفية الخطبة، وفي إثبات الصوم بعدلين أو عدل أو المستفيضة، وفي قدر زكاة الخضر ودفع البدل في زكاة الماشية والحبوب، وفي زكاة الفطر، وفي وقت وقوف عرفة الذي هو أهم أعمال الحج، وفي لزوم الأيمان بالطلاق، وفي النكاح، وفي البيوع كخيار المجلس وسائر أبواب الفقه في المسائل التي هي ضرورية الوقوع والتكرر، ولم يحصر الاتفاق إلا في الشيء اليسير نسبيا، ولا يعلم ما دندنا عليه إلا من له إلمام بالأصول والخلافيات على أن في الأقاويل المذهبية أنموذجا من ذلك.
ومع أن خلافهم في الفروع رحمة إلا أن وصوله لهذا الحد أحدث فرقة وشغبا وقلقا في النفوس. وقد يقال: إن الأمر كان فيه سعة، فضيقه المتأخرون بالتعصبات المذهبية، فألفاظ الأذان والإقامة مثلا التي وقع الخلاف فيها كلها