بقدر اتساع شهرته وفشوِّ فتاويه ازداد تألبُّ الحجازيين ضده, ورموه تارة بنبذ السنة وعدم الاعتراف بها، وتارة بقصور الباع فيها، وحاشاه منهما معًا, إمام من أئمة المسلمين الهداة، آخذ بالسنة، وروى منها كثيرًا كما سبق، وقد قال الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس, فكل ما يوجد في مذهب أبي حنيفة من مخالفةالسنن, فإما أن يكون لم يطَّلع عليها لكونه أخذ بأحاديث العراقيين دون الحجازيين والشاميين إلّا ما قلّ، وفي هذه الصورة يتعين ترك مذهبه، والتمسُّك بالسنة, وفي مثل هذه الصورة يذم التقليد في جميع المذاهب, ويتعين الخروج من ربقته؛ لأن الإحاطة بالعلم إنما هي لله، والعصمة إنما هي لمقام النبوة.
وليس أبو حنيفة أو مالك برسل بعثوا, وإنما هم مجتهدون يخطئون ويصيبون، وإما أن يكون اطَّلع على قادح أو معارض فتركها، وهنا يحتدم الجدال بين أرباب المذاهب في القادح, هل هو مؤثِّرٌ أم لا، وفي المعارض هل هو مقدَّم أم لا.